تقرير إخباري- هل يُعتبر مجلس المنافسة متواطئا مع شركات المحروقات بعد إقرارها بالتورط في الاحتكار؟
بعدما خلصت العناصر والاستنتاجات التي توصلت إليها مصالح التحقيق التابعة لمجلس المنافسة، والتي خلصت إلى وجود حجج وقرائن تفيد ارتكاب الشركات التي تنشط في مجال تموين وتخزين وتوزيع الغازوال والبنزين، إلى جانب المنظمة المهنية التي تنتمي إليها بالمؤاخذات لأفعال منافية لقواعد المنافسة في السوق الوطنية للبنزين والغازوال، والتي تضم أيضًا شركة مملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، “خلصت” إلى غرامات تُعتبر خفيفة مقارنة بـ”التورط” الذي اتبث ضد هذه الشركات.
وأعلن مجلس المنافسة، الخميس الماضي، عن تغريم 9 شركات تعمل في مجال توزيع المحروقات في المغرب، مبلغ 1,84 مليار درهم، كتسوية تصالحية تؤديها المؤسسات المعنية، وذلك ما يمثل فعليا اعترافا صريحا بخصوص تورط الشركات، التي تفادى مجلس المنافسة ذكر أسمائها في البلاغين، في تحقيق مكاسب غير مشروعة تُقتطع من جيوب المواطنين.
وتُشير المعطيات المتوفرة إلى أن المثير للانتباه أن المبلغ الذي تحدث عنه بلاغ مجلس المنافسة، يزيد قليلا عن عُشر ما سبق للبرلمان أن تحدث عنه، كأرباح إضافية حققتها شركات المحروقات ما بين نهاية 2015 وماي من سنة 2018، إثر دخول قرار تحرير أسعار البنزين والغازوال حيز التنفيذ، وذلك من خلال اللجنة البرلمانية الاستطاعية التي كان يترأسها عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية حاليا.
وبوانو هو الذي كان قد أكد أن إجمالي ما حققته تلك الشركات من أرباح إضافية، أو “غير أخلاقية”، على حد تعبير البرلماني السابق عن فدرالية اليسار الديمقراطي، عمر بلافريج، بلغ 7 مليارات درهم سنة 2016 وحدها و7 مليارات درهم سنة 2017 وحدها، أما الـ3 مليارات المتبقية فتهم ما تبقى من أشهر الفترة المشمولة بالمهمة البرلمانية الاستطلاعية، والتي شملت 2500 محطة لتوزيع البنزين والغازوال منتشرة في مختلف أنحاء المغرب.
ما سبب هذه الغرامة؟
تحدث مجلس المنافسة على أن السبب وراء معاقبة الشركات التسع، هو ما ورد في بلاغ غشت الماضي، الذي أشار إلى وقوع هذه الشركات في مخالفة صريحة لمقتضيات المادة 6 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما تم تتميمه وتغييره، والتي تنص على أنه “تحظر الأعمال المدبرة أو الاتفاقيات أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية كيفما كان شكلها وأيا كان سببها، عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن تترتب عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما”.
وتحدثت الوثيقة نصا عن الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى، وعرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها، وحصر أو مراقبة الإنتاج أو المنافذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني، وتقسيم الأسواق أو مصادر التموين أو الصفقات العمومية”.
هذا الأمر يقودنا إلى “الزلزال” الذي تسبب فيه هذا الملف قبل نحو 3 سنوات ونصف، وذلك بعد توصل الديوان الملكي بتاريخ 23 يوليوز 2023، بمذكرة من الرئيس السابق لمجلس المنافسة، إدريس الكراوي، بخصوص “التواطؤات المحتملة لشركات المحروقات وتجمع النفطيين بالمغرب”، والذي ينص على فرض غرامة مالية تعادل 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب، بالنسبة للموزعين الثلاثة الرائدين، وبمبلغ أقل بالنسبة لباقي الشركات.
وكانت هذه المرة الأولى التي يربط فيها المجلس، ضمنيا، الممارسات الاحتكارية بشركات “أفريقيا” و”فيفو إينيريجي” و”توتال إينيررجي”، باعتبارها أهم 3 مؤسسات فاعلة في مجال المحروقات بالمغرب، وفق ما ورد أيضا في تقرير للمجلس بخصوص ارتفاع أسعار المحروقات صدر في شتنبر من سنة 2022، لكن حالة الارتباك التي تلت هذه المذكرة، أدت إلى إقبارها والإطاحة برئيس مجلس المنافسة السابق من منصبه، ليعوضه الرئيس الحالي أحمد رحو.
وفي 28 يوليوز 2020، توصل الملك بمذكرة ثانية من رئيس مجلس المنافسة أيضا تهم الموضوع ذاته، والتي تتحدث عن “قيمة الغرامات المفروضة” على الموزعين خلال الجلسة العامة ليوم 27 يوليوز، وتم هذه المرة تحديد المبلغ في حدود 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي دون تمييز بين الشركات، ودون أي إشارة إلى توزيع الأصوات، وفي اليوم نفسه توصل العاهل المغربي بورقة صادرة عن العديد من أعضاء المجلس يبرزون من خلالها أن “تدبير هذا الملف اتسم بتجاوزات مسطرية وممارسات من طرف الرئيس مست جودة ونزاهة القرار الذي اتخذه المجلس”.
وكان مثيرا ولافتا رقم 9 في المائة الذي فرضه المجلس على هذه الشركات، في الصيغة الأولى، كإجراء عقابي ضد الفاعلين الثلاثة الرئيسيين في مجال المحروقات بالمغرب، فهذا الرقم بعيد جدا عن قيمة الغرامة المفروضة حاليا على الشركات المعنية بل يُعد الرقم الحالي 1.8 مليارات درهم، والذي تم إعلانه بناء على “تسوية تصالحية” بناء على إبداء تلك الشركات ومنظمتها المهنية رغبتها في “الاستفادة من مسطرة التسوية”.
وانطلاقا من أن الأمر يتعلق بمنشآت، استنادا إلى المادة 6 التي ارتكزت عليها مؤاخذة مجلس المنافسة للشركات شهر غشت الماضي، فإن منطوق المادة 39 يوصل الحد الأقصى للعقوبات المفروضة على المنشأة المتورطة إلى 10 في المائة من رقم معاملاتها الأعلى.
وورد في هذا النص ” يجوز لمجلس المنافسة أن يصدر عقوبة مالية تطبق إما فورا أو في حالة عدم تنفيذ الأوامر أو في حالة عدم احترام التعهدات التي قبلها المجلس”، مضيفا “تتناسب العقوبات المالية مع خطورة الأفعال المؤاخذ عليها وأهمية الضرر الملحق بالاقتصاد ومع وضعية الهيأة أو المنشأة الصادرة ضدها العقوبة أو المجموعة التي تنتمي إليها المنشأة، واحتمال العودة إلى الممارسات المحظورة بموجب هذا القسم. وتحدد بشكل منفصل بالنسبة إلى كل منشأة أو هيأة صدرت ضدها العقوبة مع تعليل كل عقوبة”.
أما الفقرة الثالثة، وهي مربط الفرس، فتقول “إذا لم يكن المخالف منشأة، فإن المبلغ الأقصى للعقوبة هو أربعة ملايين درهم، أما المبلغ الأقصى للعقوبة بالنسبة لمنشأة فهو 10 في المائة من مبلغ رقم المعاملات الأعلى العالمي أو الوطني بالنسبة للمنشآت التي ليس لها نشاط دولي، دون احتساب الرسوم، والمنجز خلال إحدى السنوات المحاسبية المختتمة منذ السنة التي سبقت تلك التي تم خلالها القيام بالممارسات، و إذا كانت حسابات المنشأة المعنية مجمعة أو مشتركة حسب النصوص المطبقة على شكل الشركة، فإن رقم المعاملات المعتبر هو المتضمن في الحسابات المجمعة أو المشتركة للمنشأة المنجزة للتجميع أو التشارك”.