يونس مسكين يكتب: لم ندرك بعد ما حصل لأننا بكل بساطة لم نصل إلى القسم الأكبر من المجال المنكوب

 يونس مسكين يكتب: لم ندرك بعد ما حصل لأننا بكل بساطة لم نصل إلى القسم الأكبر من المجال المنكوب

كتب: يونس مسكين

لدي شعور دفين بكوننا لم ندرك بعد ما حصل بالفعل لجزء من وطننا، نتصرف كما لو أننا حصرنا حجم الكارثة وقمنا بما يجب تجاهها من حزن وأسى ومواساة، وكل ما علينا الآن هو لملمة الجروح وتجاوز المحنة.

أعتقد أننا لم ننجز الخطوة الأولى بعد، لم ندرك فعلا حجم ما حصل، لأننا بكل بساطة لم نصل إلى القسم الأكبر من المجال المنكوب، لم نخرج عددا نجهل حجمه الحقيقي من الجثث، لم نوصل بعد قطعة خبز إلى الكثير من المشردين والضائعين.

رغم كل ما نحوزه من تقنيات التواصل والنفاذ والمتابعة، أحيانا المباشرة، إلا أننا لم ندرك بعد عدد الذين بقوا محاصرين يتنفسون بصعوبة وينتظرون تحت الحطام والأتربة، لم نتمكن بعد من زحزحة الصخور التي تغلق الطرق نحو الكثير من القرى والدواوير.

لدي شحنة هائلة من الغضب وتأنيب الضمير تجاه سكان هذه الجبال، ولن أحتفظ بها بنفسي أكثر مما فعلت. نزعم أننا طردنا الاستعمار منذ أكثر من 75 عاما، وطردنا معه فكرة المغرب النافع والمغرب غير النافع، بينما كل ما نفعله منذ عقود، هو حمل بضعة أكياس من دقيق وقنينات من زيت وأغطية رخيصة، ونمارس هواية تسلق الجبال عندما تكسوها الثلوج، لنوزع تلك المواد ونلتقط الصور ثم نعود أدراجنا فرحين.

حولنا سكان هذه المناطق إلى شبه مخلوقات منذورة للعيش في محميات طبيعية. كنا نطعمهم ونكسوهم بين الفينة والأخرى كأننا نمنعهم من الانقراض. تواطأنا في ذلك نحن أبناء المناطق الأخرى الأقل بؤسا وأبناء هذه الجبال أنفسهم.

نعم حتى أنتم يا أبناء الجبال والمداشر والقرى كنتم تقضون العام في المغرب النافع ثم تعودون للاستمتاع بحياة بدائية وترك بضع دريهمات لطرد تأنيب الضمير. لا مبادرات ولا مشاريع سياسة ومدنية وتنموية، لا ضغط ولا ترافع. لا نضال حقيقي لانتزاع عدالة مجالية، الكل انخرط في منظومة الاقتيات على فتات موائد أغنياء الريع والفساد والخشوع في محراب السلطة.

نتصرف الآن بكثير من الانفعال والعاطفة التي لن تخرج جثة “مردومة” من تحت أكوام الإهمال والانانية والاستئثار بثروات الوطن. عاطفة لن تعيد لمدارس مات جل تلاميذها صوت ضحكهم البريء ولكنتهم الهجينة. عاطفة لن تقتص من ناهبي الخيرات ومفقّري الآباء والأمهات.

طيب لقد ألقى كل منا ما يمكنه لن يلقيه فوق طاولة العزاء، تبرع بالدماء والأموال و… المشاعر. لكننا نعزي أنفسنا أكثر مما ندعم أو نساعد، ننتصر لكبريائنا ونخلص ضمائرنا من العذاب.

نتحدث عما نفعل ونبذل أكثر مما نتحدث عمن يختنقون تحت الحطام أو يموتون ببطء من الجوع والعطش. نستعرض تشكيلات مساعداتنا وتدخلاتنا كما لو أننا في استعراض للقوة، نبحث عن شعور بالفخر والرضا والارتياح، بينما إمكاناتنا في الحقيقة شحيحة، تكاد لا تغطي حتى عُشر الحاجيات.

رأيت المراسل الصحافي الأجنبي هذا الصباح من قلب مراكش يقول إنه لم يشاهد أثرا لأية خيمة أو مساعدة قدمت لمن باتوا ليلتهم في العراء. هذا في قلب عاصمة من عواصمنا الكبرى،فما بالك بقرى المغرب المنسي والمجهول.

نعم نحتاج إلى كثير من الإيجابية والتعاضد والتماسك، لكننا نحتاج أيضا إلى شحنة من غضب ولو بشدة درجة واحدة على سلم الصبر. نحتاج إلى لحظة نلعن فيها جبننا وتخاذلنا وتفريطنا. لحظة نبصق فيها في أوجهنا ونحن نتطلع إليها جيدا في مرآة الحقيقة.

لست متفقا مع الذين يجردون المواطن المغربي من كل مسؤولية أو ذنب ويلقونها على عاتق المسؤول والثري والقوي والنافذ. كل هؤلاء وعلى رأسهم الدولة لا يقدمون ولا يؤخرون إلا قدر ما يتيحه لهم هذا المغربي، بضعفه وقلة حيلته وفقره نعم، ربما، لكن أيضا بصمته وتزكيته وتواطئه وجبنه وانسحابه وبحثه عن الخلاص الفردي بالهجرة أو الرشوة أو الاختباء تحت طاولة اللئام لتلقف ما يساقط من أيديهم.

اللعنة!

هيئة التحرير

أخبار ذات صلة

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة الجهة24 لتصلك آخر الأخبار يوميا