يونس مسكين: الملكية في المغرب تواجه الفراغ وتحتاج إلى حزب سياسي وخطاب الملك كشف حجم هذا الغياب
كتب: يونس مسكين |
هذا الخواء المطبق على الأرواح لا يطمئن ولا يبشر بخير. الخطاب الذي وجهه الملك إلى الشعب بمناسبة ذكرى عيد العرش يكشف حجم هذا الفراغ المهول.
بين الملك والشعب المفروض أن تكون هناك آلة سياسية تعمل، تنجز، تنفذ، تبحث عن الجمع بين تنزيل التوجيهات الملكية باعتبارها صادرة عن رئيس الدولة والاستجابة لمطالب وانتظارات المجتمع باعتباره مصدر انتخاب الأغلبية التي تنبثق منها الحكومة.
نص الخطاب يكشف حجم هذا الغياب.. لا شيء يستحق الذكر أو التقييم، سواء بالإشادة أو النقد. وحدها رسالة شاملة حول القيم والحاجة إلى قليل من “المعقول” صدرت بين ثنايا الخطاب، عدا ذلك لا شيء. اوراش وملفات ملكية مفتوحة وناجحة في العموم، وهل ينبغي لها إلا أن تنجح وهي تحظى بكل عوامل التأييد والتخطيط والمتابعة؟
السياسة ليست عجلة سنعيد اختراعها. السياسة مشاريع وطروحات واختيارات وحسم للصراعات والاختلافات. وهنا لا ينبغي ولا يستقيم أن يحضر الملك وحيدا.
يميل البعض ممن يعتقدون أن الكفة مالت لصالح وجهة نظرهم حاليا الى النوم في العسل، ودعوة الجميع إلى الارتخاء والتمدد، تحت طائلة الرجم بالخيانة والخروج عن وحدة الصف وهلم ترهيبا.
بيد أن ما نعيشه هو لحظة صمت وانسحاب يثيران التوجس أكثر مما يطمئنان. الوضعية مريحة ما دامت الأمور بخير، الأسواق ممونة وتناقضات الخصوم الخارجيين تحت السيطرة. ماذا لو اضطرب هذا الجانب أو ذاك؟ من سنحاسب ونسائل ونغيّرّ؟ في 2011 وجدنا حكومة عباس الفاسي المسكينة تحمل الوزر السياسي للمرحلة، فأطحنا بها وأتينا بما توفر وقتها من بديل. هل يفكر النائمون في العسل اليوم في الحل المحتمل في أية أزمة ممكنة؟
هناك وظيفة أسندتها الديمقراطية للأحزاب السياسية ولم يثبت بعد لا في الشرق ولا لي الغرب أنها أصبحت ثانوية أو غير ضرورية. على علات الفترة السابقة من تاريخنا المعاصر، إلا أن اللعبة كانت تمر عبر الأحزاب. كان الملك الراحل عنيدا ومتعطشا للسلطة والسيطرة، لكنه كان يمرر اختياراته عبر أحزاب كانت تصنعها له الإدارة، فتتفاعل هذه الأحزاب المصطنعة مع أخرى لها بعض من مشروعية فيحدث ما يفضي إلى وضعيات قد نقول عنها ما شئنا، لكنها كانت “سياسية”.
نحن اليوم في حالة اللا سياسة، هناك من يزين للدولة خيار التدبير بالضغط على الأزرار، لا وقت يضيع في البحث عن التوافق ولا اعتبار لهذا الفريق أو ذاك، الكل في وضعية استقبال، ووحدها المؤسسة الملكية في وضعية إرسال.
هل يعلم هؤلاء أن “عند رخصو تخلي نصو”. وأن تشطيب الساحة وإخلاءها بالكامل يجعل المؤسسة الملكية مكشوفة أمام الرياح والاعاصير؟ أليس ما يجري الآن في قضايانا السياسية الداخلية والخارجية مجرد ترجيح بين اختيارات، وكل اختيار لديه إيجابيات لكنه ينطوي على مخاطر وتهديدات؟ من الذي سيتحمل هذه التبعات في حال آلت إحدى هذه الاختيارات إلى الفشل (لا قدر الله)؟ وكيف ستقنع المؤسسة الملكية الأطراف الخارجية بتحفظاتها ومطالبها إذا لم تكن خلفها ديناميات اجتماعية وسياسية حقيقية؟