مجلس وجدة.. تفويض من ذهب يُكلف خزينة المجلس الملايير في ظل قرارات مصيرية خارج الرقابة

الجهة24- وجدة
في وقتٍ تترقب فيه ساكنة وجدة تحسينًا في جودة الخدمات العمومية، خصوصًا النقل والنظافة، انفجرت داخل أروقة المجلس الجماعي للمدينة أزمة جديدة تعكس خللًا بنيويًا في أسلوب التسيير المحلي. الأزمة، هذه المرة، لم تكن نتيجة صراع سياسي بين الأغلبية والمعارضة، بل جاءت من داخل الجهاز التنفيذي نفسه، وتحديدًا من النائب الأول للرئيس، الذي تحوّل تفويضه إلى مصدر قرارات سيادية ذات كلفة مالية باهظة.
ففي خطوة مفاجئة، وقع النائب الأول عمر بوكبوس عقد تحكيم مع شركة النقل الحضري “موبيليس”، دون العودة إلى الرئيس أو استشارة اللجان أو إخضاع الأمر للنقاش داخل المجلس. هذا العقد، الذي يضمن للشركة تعويضًا قد يصل إلى 3 مليارات سنتيم من المال العام، يثير أكثر من علامة استفهام، ليس فقط من حيث الإجراءات، بل من حيث توقيته ومضمونه.
الشركة التي يتذمر منها المواطنون منذ سنوات بسبب أعطاب متكررة، وتدهور واضح في جودة الحافلات، أصبحت، وفق رواية النائب، “ضحية” تستحق التعويض. فهل اختلت المعايير إلى هذه الدرجة؟ وهل يعقل أن تتحول شكاوى المواطنين اليومية إلى مجرد “تفاصيل” أمام توقيع رسمي يتخذ باسم الجماعة؟
تفويضات بلا سقف.. وصلاحيات بلا مراقبة
رد فعل الرئيس لم يتأخر، إذ لجأ إلى المحكمة الإدارية للطعن في هذا القرار، غير أن الحكم جاء صادمًا: القضاء اعتبر أن النائب يتصرف ضمن صلاحياته، بناء على التفويض الممنوح له. هذا الحكم يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول مفهوم التفويض داخل الجماعات الترابية، ومدى خضوعه للمراقبة السياسية والمؤسساتية. فهل التفويض يُمنح بشكل مطلق؟ وهل يحق للنائب الأول أن يبرم اتفاقات مالية بهذا الحجم دون الرجوع إلى الهيئات التقريرية؟
ولم تقف تداعيات هذه الأزمة عند حدود النقل الحضري. إذ قرر النائب نفسه إلغاء الغرامات المفروضة على شركة النظافة “SOS”، ما يعني التخلي عن مبالغ مالية هامة كانت الجماعة في أمسّ الحاجة إليها، خصوصًا في ظل وضعية مالية توصف بـ”الهشة”.
مواطنون ينتظرون حافلات لا تصل، وإن وصلت فهي متهالكة. خدمات نظافة لا ترقى إلى تطلعات السكان. وخزينة جماعية تُنزف دون مقابل حقيقي. كل ذلك باسم “التحكيم” و”المرونة” و”تفويض الصلاحيات”.
المعارضة ترفع الصوت: كفى عبثًا
المستشار الجماعي عن الحزب الاشتراكي الموحد، شكيب سبايبي، لم يتردد في وصف المشهد بالـ”مرتبك”، متسائلًا: “هل للجماعة رأس واحد أم أكثر؟”. وأشار إلى أن غياب الانسجام في اتخاذ القرارات أصبح يهدد التوازن الداخلي للمجلس، داعيًا إلى عقد دورة استثنائية تُخصص لمساءلة هذه القرارات الأحادية، وإعادة ترتيب آليات التفويض والمسؤولية.
ما بعد الأزمة.. ضرورة المراجعة والإصلاح
ما تعيشه جماعة وجدة اليوم ليس مجرد تعثر في تدبير ملف النقل أو النظافة، بل هو عرض لأزمة أعمق تتعلق بمنظومة الحكامة داخل المجالس المنتخبة، حيث تتحول بعض التفويضات إلى أدوات لاتخاذ قرارات مفصلية، دون مساءلة أو محاسبة.
وإذا لم تبادر الجهات المعنية، سواء على المستوى المحلي أو الجهوي، إلى فتح تحقيق إداري شفاف في هذه الملفات، فإن الثقة بين المواطن والمؤسسات ستتآكل أكثر، وقد تتحول الجماعة إلى ساحة لصراعات فردية تدار بعيدًا عن المصلحة العامة.