كسيكس: الضغوط الاقتصادية والتكنولوجية أضعفت الروح النقدية لدى الصحفيين وأثرت سلبًا على قدرتهم على التحقيق

 كسيكس: الضغوط الاقتصادية والتكنولوجية أضعفت الروح النقدية لدى الصحفيين وأثرت سلبًا على قدرتهم على التحقيق

قال الكاتب والصحفي إدريس كسيكس إن وسائل الإعلام لم تعد تخدم الصحافة بقدر ما أصبحت تقتلها، مشيرًا إلى أن الضغوط الاقتصادية والتكنولوجية أضعفت الروح النقدية لدى الصحفيين وأثرت سلبًا على قدرتهم على التحقيق.

وأوضح  كسيكس، خلال ندوة نظمها “منتدى الإعلام والمواطنة” بمقر المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، يوم الثلاثاء 11 فبراير 2025، أن سيطرة عمالقة التكنولوجيا على سوق الإعلانات الرقمية دفعت وسائل الإعلام المحلية إلى الاعتماد عليها بشكل شبه كامل، مما أدى إلى هيمنة الإثارة و”البوز” كوسيلة للبقاء.

وأضاف كسيكس، وهو أستاذ الإعلام والثقافة والكتابة الإبداعية، أن “80 بالمائة من ميزانيات الإعلانات الرقمية تذهب إلى هذه المنصات”، محذرًا من أن هذه الظاهرة تعمق أزمة الصحافة التقليدية وتهدد دورها كمصدر موثوق للمعلومات.

وأشار كسيكس إلى التبعية الهيكلية للإعلام المحلي لهذه القوى العالمية. وأدى ذلك، حسب قوله، إلى سباق محموم وراء الإثارة و”البوز” بهدف جذب انتباه الجمهور، وهي ظاهرة وصفها بأنها “أدغال إنتاج المحتوى”. وأكد على ضرورة الوعي بهذه الحقيقة بعيدًا عن السذاجة التي سادت بعد 2011، حين كان الاعتقاد السائد أن مجرد المشاركة في الإعلام كافٍ لتعزيز المواطنة الإعلامية.

واستنادًا إلى فكر الفيلسوف برنار ستيغلر، طرح كسيكس مفهوم “الانتروبيا السلبية للمعلومات”، والذي يصف الفوضى الناتجة عن التسارع المستمر في إنتاج المعلومات. واعتبر أن الطريقة الوحيدة لمواجهة هذا الاتجاه تكمن في تطوير محتوى بديل هادف، وهو مجال يرى أنه يعاني من “فقر لا يمكن تصوره”.

وأبرز  كسيكس غياب منصات البودكاست والبرامج التعليمية وورشات التكوين المناسبة للعصر الرقمي، داعيًا المؤسسات التعليمية والاجتماعية إلى توفير فضاءات للتعلم لا تقتصر على استهلاك المحتوى الرقمي بشكل سلبي.

كما شدد كسيكس على ضرورة إنشاء وسائل إعلام مجتمعية لتعزيز مواطنة متجذرة في الواقع المحلي، معتبرًا أن “اليوم الذي ستسمح فيه الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (هاكا) بإنشاء وسائل إعلام مجتمعية، سنشهد أخيرًا فضاءات حيث يمكن للمواطنين التعبير بلغتهم ومناقشة قضاياهم الحقيقية”. لكنه أقر بأن هذا التغيير يتطلب التزامًا حقيقيًا، يتجاوز الإصلاحات القانونية، من خلال إطلاق مشاريع تجريبية تثبت جدوى الصحافة المجتمعية.

وعلى نطاق أوسع، رسم كسيكس صورة قاتمة عن تطور الصحافة في ظل التحولات الرقمية، قائلاً بصراحة: “لقد قتلت وسائل الإعلام الصحافة”، موضحًا أن الضغوط الاقتصادية والتكنولوجية قضت على الروح النقدية وقدرة الصحفيين على التحقيق. وانتقد ما أسماه “تجريد الصحفيين من قوتهم”، حيث باتت التحقيقات الصحفية نادرة بسبب غياب التمويل، مما أجبر وسائل الإعلام على إنتاج محتوى نمطي يفتقر إلى العمق النقدي، وأدى ذلك إلى تراجع الصحافة عن دورها الأساسي في التحليل والاستقصاء.

وفيما يتعلق بالديمقراطية والمواطنة، حذر كسيكس من “الأزمة الديمقراطية”، مستشهدًا برؤى ريجيس دوبريه حول تنوع الأنظمة الديمقراطية التي يمكن أن تتخذ أشكالًا سلطوية. وأكد أن تلاقي الاستبداد السياسي مع الأوليغارشية الرأسمالية يقوض قدرة المواطنين على التأثير في القرارات العامة. وقال بحزم: “لم يعد للمواطن أي تأثير على القرارات العامة، لأن السلطوية السياسية والأوليغارشية أضعفتا الديمقراطية”.

وأخيرًا، شدد على ضرورة تعزيز التربية الإعلامية لإرساء ثقافة نقدية في المجتمع، مشيرًا إلى أن “الانتقال من 300 ألف قارئ للصحف إلى 30 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي تم دون تراكم ثقافة إعلامية نقدية”، الأمر الذي يستوجب إعادة التفكير في برامج التكوين الإعلامي. وأكد أن الدولة يجب أن تلعب دورًا محوريًا في هذه العملية من خلال تطوير سياسات شاملة تدمج التربية الإعلامية منذ سن مبكرة.

وأكد إدريس كسيكس على أهمية التحرر من الوصاية الفكرية، وتعزيز ثقافة مواطنة نشطة وناقدة، مشددًا على أن المواطنة لا يجب أن تختزل في الوطنية أو الانتماء القومي، بل يجب أن تعبر عن التزام واعٍ ونقدي. وقال: “المواطنة هي فعل والتزام”، داعيًا إلى إصلاح جذري في الفضاءات الإعلامية والتعليمية لتشجيع النقاش العام المستنير وتعزيز المشاركة المدنية الحقيقية.

هيئة التحرير

أخبار ذات صلة

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة الجهة24 لتصلك آخر الأخبار يوميا