قصة أهل رجراجة الذين أسقطوا الخيمة فوق رؤوسهم تيمنًا بالبركة.. يدعون قربهم من الرسول وعيسى وتحميهم السلطة
الجهة24- فاطمة أوعلي
في مشهد يبعث عن طقوس غريبة، يتجمهر المئات من المواطنين من حول خيمة ذات لون أحمر مصنوعة من الصوف، بينما يقف رجال يرتدون جلاليب بيضاء وسط هذه الخيمة “يُسمونهم الشرفا”، منتظرين أن تسقط فوق رؤوسهم تلك الخيمة، ووسط الزغاريد ومحاولات الناس للارتماء في الخيمة تيمنًا بالبركة، يقف العشرات من أفراد الدرك الملكي والقوات المساعدة يُشكلون حاجزا أمنيا “يحمي هذه الطقوس”.
وقائع هذه الطقوس، جرت بجماعة “حد الدرى” إقليم الصويرة، حيث تنتهي طقوس موسم رجراجة، الذي يستمر حوالي أربعين يوما، عبر أربع وأربعين محطة، فترة يحج خلالها أفراد ومقدمي الطائفة الرجراجية إلى مختلف زوايا وأضرحة الإقليم، بالتوازي مع توافد الزوار وإقامة أسواق تجارية وتظاهرات ترفيهية.
أصل الحكاية
ويحكي مقدم رجراجة أحمد ناصور، أن أصل الحكاية الذي بدأ من المغرب والاستقرار في ساحله، بين آسفي والصويرة، بدأ حينما هرب 4 رجال من جرارجة عبر سفينة نحو ساحل المغرب وهم: “هامج وهاريد وهرت والكما”، وذلك اثناء واقعة تصليب النبي عيسى، بعد أن أُلقيَ القبض على يسوع الذي يؤمن المسيحيون أنه ابن الله والمسيح المخلص، ومن ثم تمت محاكمته، ويتحدث شيخ رجراجة عن أن سيدنا عيسى بشرهم قبل أن يرفعه الله إليه، بنزول النبي محمد، وحين عودتهم للمغرب، ظلوا متشبثين بالديانة المسيحية، وتكون من أسرهم أسماء 7 رجال، الذين شدوا الرحال نحو النبي محمد لما علموا أنه بعث وبايعوه في مكة.
يقول عبد الهادي خلال، المنتمي لأهل رجراجة، وباحث في أصول قبيلته لموقع “الجهة24″، إن أصل تسمية “رجراجة” يعود لسبعة رجال من قبيلة رجراجة دفنت أجسادهم تحت التراب بين مناطق آسفي والصويرة وهم: واسمن وأبو بكر اشماس وابنه صالح وعبد الله أدناس وعيسى بوخابية وسعيد السابق و يعلى بن واطل بن مصلين”، أربعة منهم كانوا يتحدثون بالبربرية و3 بالعربية، وانتقلوا إلى مكة لزيارة الرسول قبل أن يعودو حاملين مشعل الإسلام، والتقوا بنت الرسول محمد، فاطمة الزهراء، تحدثوا إليها سائلين عن النبي بالبربرية، ولمَا ذهبت فاطمة إلى النبي، قالت له: سبعة رجال يسألون عنك يا رسول الله، يُرجرجون في كلامهم، فقال لها، “لقد سميتِهم يا فاطمة”.
من جانبه، يعتبر الباحث فؤاد وجاني، إن الأصل في موسم رجراجة أو ما يسمى بـ”الدور” هو ترسيخ الدين الإسلامي بين القبائل الأمازيغية، ومناسبة سنوية متوارثة لصلة الأرحام بين المنتمين لنفس القبيلة والتجمع هناك من كل البقاع، والدعاء أيضا لأولئك الرجال السبعة الذين سافروا إلى مكة ثم عادوا بالدِّين القويم إلى المنطقة.
وفي تفاصيل الطقوس، المختلف عنها بين مؤيد ومعارض، يبدأ خروج الدور بحدث طقوسي ومسحة رمزية، وهو ما يعرف عند رجراجة بخروج العروسة، حيث يمتطي مقدم زاوية أقرمود فرسا مرتديا جلبابا أبيضا وسلهاما، فينطلق مع وفد من زاوية أقرمود حيث يتواجد ضريح شيخ ركراكة عبد الله بن أحمد القرمودي، مصاحبا مختلف محطات الدور.
ويعد ضريح سيدي علي بن بو علي بجماعة اكرات أول محطات الدور، حيث يقام موسم تذبح فيه الذبائح في إطار ما يسمى «الصفية» ويتم هذا الإفتتاح بحضور السلطة المحلية مرؤوسة بعامل إقليم الصويرة، وهو أكبر مؤشر على أن موسم رجراجة يحظى بعناية “المخزن”.
ويوم الجمعة الذي هو يوم الدور يتوافد الزوار بفرح وزينة، أما أفراد الطائفة الرجراجية ومقدميها فيلتقون بضريح سيدي علي بن بو علي، فيرددون على بابه بعض الأذكار وينادون بأزجال ملحونة موروثة عن أسلافهم. وتبتدئ مراسيم الزيارة قبل الظهر، فتزور القبائل مصحوبة ببعض المسؤولين المحليين، ثم يزور الرجراجيون عند بعضهم، ويبدؤون بالدعاء للمقدمين، فأعيان الزوايا، فجميع من طلب الدعاء، وفي البدأ والختام يكون الدعاء شاملا لسلطان البلاد.
خلاف حول الطقوس
يجد الكثيرون أن الطقوس المقامة حاليا، خصوصا مشاهد سقوط الخيمة، هي طقوس بالية، جرى تحريفها لتشويه سمعة أهل القبيلة، يقول الباحث فؤاد وجاني، إن الرَّجْرَاجَةُ لغة كتيبَة لا تكاد تسير لكثرتها، تغشى النَّواظِر، قوم أمازيغ يترجرجون للحق والحرية بفطرتهم أينما كانا، ولو شدوا الرحال آلاف الأميال على الخيل. حين بُلغ محمد بالرسالة ناصروه وبيته، ولما كان عيسى كانوا من حوارييه وهربوا بدينهم حفظا من التحريف”.
مضيفا: “ما يؤسف أنه بدعم من المخزن يتم تحريف الكثير من المواسم النقية التي كانت تستحضر التراث الروحي للمغاربة. بعض المدلسين يستغلون هذه المناسبة ومثيلاتها لتحويل جزء منها إلى بدع خرافية كجلب بغلة بيضاء وجعل النساء العُقّر والعُقُم يعبرن تحتها ، ظنا منهن أن بين أقدامها وتحت بطنها الخصوبة والبركة. ومنهم من يستغل سذاجة ويأس الناس ويتفل عليهم حاصلا على المال مقابل ما ينسبه إليه من بركة، أو يتفاخر بحمل الأفاعي السامة أو شرب الماء المغلي لقاء جني المال. وقد يشوب هذه المناسبات الروحية ما يفسدها من اختلاط وتزاحم فتحرش من ذوي النفوس المريضة”.
من عادة الرجراجيين أنهم أثناء تقسيم الفتوحات المتجمعة خلال أدوارهم، لا يعطون إلا للحاضرين، وليس للغائب شيء، وليس له الحق بالمطالبة، وتوزع هذه الفتوحات في ثلاثة عشر دورا، وهم سيدي علي بن بو علي، ثم سيدي أبو القاسم، بأولاد الحاج، وبزاوية رتنانة، ثم بـأقرمود، ثم الصويرة ثم سيدي عيسى، ثم مطافي الحوف بين سكياط والنجوم، ثم سيدي محمد بن مرزوق، ثم بمرامر، ثم بسيدي عبد الله مولى الغيران، ثم بسيدي سعيد السابق، ثم بنجله سيدي عبد الله بن سعيد، ثم بسيدي علي المعاشي. وتقسم الفتوحات على أربعة عشر، تأخذ كل زاوية من الزوايا الثلاثة عشر نصيبها، ويأخذ المقدمين القسمة الأخيرة.
كورونا والمولى إسماعيل والموحدين.. تسببوا في وقف “دور رجراجة”
ثلاث محطات تاريخية فقط، هي من كانت سبب رئيس في وقف موسم “جرارجة” فهم قبيلة ظلت ملتزمة بطقوسه ولا تفوته، ولعل أكثر الفترات التاريخية التي شهدت غيابا لأجواء الدور كانت خلال حكم الموحدين. وقد توقف الدور كذلك لخمس سنوات خلال السنوات الأولى للحكم العلوي إزاء التوتر الذي شاب العلاقة في بدايتها بين القبائل الرجراجية والسلطان المولى إسماعيل.
وحاول السلطان العلوي اسماعيل بن الشريف كسر شوكتهم، فسلط عليهم عبد القادر الفاسي واليوسي ليشككا في صحة تراثهم، بل حول مزار الأولياء السبعة من الصويرة إلى إقليم مراكش.
وقد انقطع الموسم أيضا سنة 1993 م ثم عاد بعدها مباشرة لسابق عهده. كما شهدت السنوات الأخيرة أيضا انقطاع الدور لموسمين بسبب جائحة كورونا واتباعا للتدابير الإحترازية من انتشار الوباء.