عاشوراء.. بين فرح السنة وطقوس خاصة لدى المغاربة وحزن عند أهل الشيعة
يحظى يومُ عاشوراءَ بمكانةٍ خاصةٍ عندَ المسلمين، على اختلافِ مِلَلهم وطوائفهم. اليومُ الذي قالَ عنه رسول الإسلام محمد عليه السلام، عندما قَدِم إلى المدينةِ ورأى يهودَها يصومونه: “أنا أحقُّ بموسى منكم”. فصَامَهُ بعدها وأمر المسلمين بصيامِه. في دلالةٍ منه على عظمةِ هذا اليوم الذي نجى اللهُ فيهِ موسى عليه السلام وقومَه، وأغرقَ فرعون ومَن معه.
تقول المدونة خولة شنوف: “كيف لنا كمسلمين، أنْ نعيشَ شعوريْن متناقضيْن في يومٍ واحد، يوم نُجمِعُ جميعُنا على أنّه يومٌ مبارك، ذو مكانةٍ خاصةٍ عند كليْنا. عاشوراء الذي يمثلُ يومَ فرحٍ للسُّنة؛ لأنّه اليومُ الذي نجا فيه سيدنا موسى عليه السلام مع قومه، من فرعونَ وجنوده، نستقبلهُ بالصيام وقراءةِ القرآن والاستغفار. في حين تقومُ بعضُ العائلات بصنعِ حلوى أو “طبقٍ شعبيّ” من وحي المناسبة، كلٌّ بحسبِ عاداتِ وتقاليدِ المكان الذي أتى منه، والوطنِ الذي يعيشُ فيه. هذا اليوم، يستقبله الشيعةُ بحزنٍ ونحيب، لأنّه اليومُ الذي قُتل فيهِ الإمامُ الحسين بن عليّ عليه السلام، حفيد سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم”.
وما بين بكاءٍ ونحيب، وإقامةِ مجالسَ للعزاء في فقدانه، والتغنّي بسيرتِه، وبينَ ارتداءٍ للسّواد وملازمةٍ للحسينيات، والحج إلى “كربلاء”. وما بينَ القيامِ بمسيراتٍ لا تخلو مِنْ جلدِ الذات والتي تكون نهايتُها عادةً سيولا من الدماء في صورةٍ مُبالغة لإظهار النّدم والحزن على الحسين عليه السلام، تغدو الصورة أكثرَ جدلا!
وعشوراء عند المسلمين تُصادف ذكرى مؤلمةٍ، تتمثل باستشهادِ الحسين عليه السلام.
فرح وفرجة
عاشوراء عند المغاربة أيام فرح ولعب وفرجة، تتميز بعادات وطقوس متنوعة لا نظير لها في باقي الدول الإسلامية. وتبدأ الاحتفالات مع دخول شهر محرم وتنتهي في العاشر منه، حيث تمتلئ الأسواق الشعبية والمحلات التجارية الكبرى بلوازم الاحتفال بهذه المناسبة.
وتحرص الأسر المغربية على إدخال السرور على أبنائها بشراء الألعاب والدفوف و”الطعريجة” (آلة إيقاع شعبية تصنف ضمن التراث الموسيقي المغربي وتصنع من الطين والجلد وتزين بألوان مختلفة).
ويضرم الأطفال والشباب في اليوم التاسع من محرم نارا في الأحياء تسمى “شعالة”، ويقفزون فوقها بفرح عارم غير عابئين بالمخاطر، رغم محاولات السلطات منع هذه الممارسة بسبب الحوادث الناتجة عنها.
وتصل الاحتفالات ذروتها في العاشر من محرم الذي يسمى “يوم زمزم”، وفيه يتراشق الناس بالماء البارد وتتحول الأحياء الشعبية إلى ساحة معركة، يلاحق فيها الأصدقاء والجيران بعضهم بعضا لرشهم بالماء، في حين يرش القرويون في البوادي الماء على ماشيتهم ومحاصيلهم طلبا للبركة والوفرة.
وينتهي هذا اليوم بوجبة كسكس يطبخ مع لحم القديد أو “الذيالة”، أي ذيل الخروف الذي تم تخزينه من أضحية عيد الأضحى خصيصا لتناوله في عاشوراء.
أهازيج خاصة
تجتمع النساء في هذه الأيام في حفل يسمى “القديدة”، وهو احتفال ينظم على شرف امرأة لم ترزق بأطفال، وتساهم فيه كل امرأة بقطعة لحم مقدد، فيجتمعن في أحد البيوت ويطبخن وجبة الكسكس بالخضر والقديد.
تقول الحاجة فاطمة وهي إحدى المشاركات في الحفل إن “النساء المشاركات في الحفل يقلبن “القصعة” (الإناء الذي يقدم فيه الكسكس) بعد الانتهاء من تناول الطعام، ويسكبن فوقها الماء ويعتقدن أنه إذا سار في اتجاه المرأة العاقر فإنها موعودة في القريب بإنجاب طفل، وأن حلمها لن يتحقق إذا سار الماء في اتجاه آخر، وما عليها عندئذ سوى تكرار العملية في عاشوراء الموالي”.
وتضيف أن الجارات يقضين تلك الأمسية في الغناء والضرب على الدفوف والطعاريج وترديد أهازيج خاصة بالمناسبة، من بينها: ” قديدة قديدة منشورة على الأعواد .. بابا عيشور جا يصلي وداه الواد” و “حق بابا عيشور ما علينا الحكام ألالة .. عيد الميلود كايحكموا الرجال”.
ويؤثث “بابا عيشور” -وهو شخصية أسطورية ذات حضور قوي في الذاكرة الشعبية المغربية- مهرجان عاشوراء، ويطرق الأطفال على الأبواب ويطلبون الهدايا التي قد تكون عبارة عن مال أو فاكية أو حلوى.
ويحرص المغاربة بالإضافة إلى هذه الطقوس على صيام اليومين التاسع والعاشر من محرم، اتباعا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم، أما التجار والفلاحون فإن عاشوراء مناسبة لإخراج زكاة المال ويسمونها “العشور” (بتسكين العين).
جذور قديمة
يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور علي الشعباني إن عاشوراء بالمغرب يتميز بتداخل ممارسات وطقوس بعضها مستوحى من الثقافة الدينية وبعضها من الذاكرة الشعبية الموروثة عن الأسلاف.
ويقول المتحدث ذاته إن إدخال السرور على الأطفال وتبادل الزيارات والصيام هي جزء من المعتقدات الإسلامية وعمل بوصية الرسول للابتهاج بنجاة موسى عليه السلام وانتصاره على فرعون.
أما جذور بعض الطقوس الأخرى مثل إشعال النار والرش بالماء وغيرها فتعود -وفقه- إلى تاريخ المغرب القديم، حيث خلفت الحضارات المتعاقبة عليه مظاهر وطقوسا احتفالية ظل الناس متأثرين بها وحافظوا عليها بعد اعتناقهم الإسلام.