ربورتاج- الصويرية القديمة تتحوَّل إلى حديقة خلفية لبارونات السياسة والمنتخبين وتتيه وسط فوضى العمران والخراب
الجهة24- من الصويرية القديمة
في عز في الصيف، وغير بعيد عن مدينة آسفي وبالجماعة القروية المعاشات منحت الطبيعة شاطئ الصويرية القديمة سحرا خاصا برماله الذهبية، سرعان ما سيتحول هذا الشاطئ إلى شبه “هيروشيما صغيرة” أو “قرية الأشباح” كتلك التي تُخيل في روايات الدونكيشوتية أو أفلام الرعب الأمريكية.
مع وصول فصل الصيف، وانسدال الليالي الباردة، تنكشف عيوب هذا الشاطئ الصغير، وتُفضح بنياته العشوائية كما تنكشف الفوضى العمرانية التي تروي لزائريها سيرة “صناعة قرية صغيرة لا باب ولا مخرج لها” ومخرجها الوحيد هو أن تكون خارجة عن القانون. في الصويرية القديمة، حيث بنيت منازل متراصة، لا يفهم أهل المنطقة، كيف نبتت عمارة من ثلاثة طوابق مطلة على البحر، بينما باقي المنازل ودون استثناء حدد تصميمها في طابق سفلي وطابق ثاني علوي.
يقول أحد سكان المنطقة في حديثه لموقع “الجهة24”: “هذه العمارة يقولون إنها مملوكة لسياسي معروف في آسفي، من أبناء بلدة سبت جزولة” – حيث هناك برز أسم عائلة معروفة دخلت السياسة ولم تخرج منها-.” صممها بتصميم شبيه لفيلته الموجودة أيضًا في سيدي بوزيد بآسفي، وتُحيط بها الكاميرات وتتوفر أيضًا على مسبح”.
وبحسب المعطيات الدقيقة التي حصل عليها موقع “الجهة24” فإن رئيس المجلس الإقليمي الحالي، عبد الله كريم هو صاحب هذه الفيلا، وفي سنة 2010، حيث انتهى عبد الله كريم من بناء فيلته بشاطئ الصويرية القديمة، أجريت عملية معاينة من قبل السلطات المكلفة المحلية، لكنها انتهت بالتغاضي الكلي عن بناء طابق ثالث علوي يخالف قوانين البناء والتصاميم الهندسية الأصلية.
وفي العام ذاته من 2010، كانت لجنة من قسم التعمير بعمالة آسفي انتقلت إلى عين المكان لتسجيل محضر معاينة بقصد تنفيذ قرار الهدم الخاص بالطابق الثالث الذي أضافه عبد الله كاريم، رئيس المجلس الإقليمي، بالإضافة إلى قبو شيده تحت الفيلا على أرض رملية يمنع فيها حفر طوابق تحت أرضية، وهي “العملية التي انتهت بمسرحية هدم فتحة على شكل نافذة في جدار الطابق الثالث دون تنفيذ قرار الهدم الكلي وتطبيق جميع المساطر القانونية المعمول بها في هذا الشأن”.
رجال السلطة ومنتخبون استفادوا من ملك الدولة
مصادر نافذة، أسرت لموقع “الجهة24” أن عملية بناء فيلا عبد الله كريم رئيس المجلس الإقليمي الحالي لآسفي، تمت فوق أرض هي ملك لإدارة المياه والغابات، قبل أن تفوتها الجماعة القروية “لمعاشات” التي يرأسها شيخ رؤساء الجماعات في المغرب أمبارك السباعي، بطرق مخالفة للقانون إلى شخصيات نافذة من رجال سلطة وكبار المنتخبين الذين حولوها إلى تجزئة خاصة بالفيلات الفاخرة المطلة على البحر، والمشيدة فوق الرمال ووسط مجال غابوي.
يطوف رجل على امتداد الشاطئ واضعا شارة برتقالية اللون على ذرعه الأيسر، كتب عليها: “عون سلطة” وبرقته رجل من أفراد القوات المساعدة، مهرولا يمينا ويسارا، وكأنه بجولته الفريدة تلك، يطوف للاطمئنان على بقاء كل مظاهر البدونة، والخراب، والبناء العشوائي واحتلال أصحاب الفيلات للرصيف، وبناء المنازل حتى دون تصميم تهيئة وخارج الضوابط القانونية”.
“كاينة شي حاجة تما”
المقولة الشهيرة التي هزت المغرب، قالها أنداك وزير الداخلية السابق محمد حصاد، وهو يرد على تدخل البرلماني عن إقليم آسفي، إدريس الثمري عن حزب العدالة والتنمية، الذي اثار قضية، وجود صندوق ريع أسود، تتحكم فيه بارونات الرمال بجماعات المعاشات، بحماية من جهات نافذة في الدولة، يُدر الملايير سنويا، ويفرض إتاوات على المنخرطين الجدد والراغبين في الاستفادة من رخص مقالع الرمال وتتحكم في هندسة الصندوق الأسود جمعية أرباب مقالع الرمال، يُسيطر عليها رئيس جماعة المعاشات أمبارك السباعي.
أنداك سيقول وزير الداخلية محمد حصاد: “كاينة شي حاجة تما”. لكن لاحقا لم تتحرك أجهزة وزارة الداخلية لفتح تحقيق في الموضوع، حتى مع حلول وزير الداخلية خلفه، عبد الوافي لفتيت لتبقى دار لقمان على حالها.
من يُخرج الصويرية القديمة من عنق الزجاجة؟
أمام سيطرة بارونات المال والرمال والمنتخبين الذين تحوم حولهم شبهات فساد، على موقع إستراتيجي وحيوي، مازال أهل الصويرة القديمة والمعاشات يتجرعون ألم الحاجة وقلة الحيلة، أمام تفاقم مظاهر العجز والبطالة، كما أنها ساكنة تظل محاصرة بين المحطة الحرارية التي تعمل بالفحم الحجري ومصانع كيماويات المكتب الشريف للفوسفاط، وبارونات الرمال التي تنهب شواطئ، وأمام اتساع دائرة “اللاشيء” فإن الغالبية من شباب المنطقة، ينشطون في أعمال مجرمة قانونا في المنطقة، كالاتجار في المخدرات.
في الصويرة تنعدم تماما المرافق الصحية والاجتماعية، وتغيب الأبناك فيضطر الزوار إلى مغادرتها فور وصولهم، في هذا الصدد يشرح خبير في التخطيط العمراني لموقع “الجهة24” أنه لجعل الصويرية القديمة موقع جذب سياحي، كان أولا على السلطات عدم الترخيص ببناء المنازل أمام الواجهة البحرية، وترك الموقع مكانا للمستثمرين لبناء مقاهي ومطاعم وفنادق ومرافق خصوصية وعمومية.
العمران.. بيوت أشباح
تحولت تجزئة كاملة في الصويرة، تعود ملكيتها لشركة العمران، إلى فيلات ومنازل أشباح على مساحة شاسعة، بعدما طالها الكساد والخراب، واقتلعت أبوابها ونوافذها، وأضحت مأوى مهجور للمتسكعين وتجار المخدرات. فشل مشروع العمران، وفقا لمتخصصين، يعود بالأساس، إلى بنية المنطقة، والأسباب المذكورة سلفا في هذا الربورتاج، إذ أنه بحسب يونس أحد المستثمرين فإنه لا يستطيع الاستثمار او أقتناء منزل في موقع تنعدم فيه أبسط مقومات العيش، فيقول: “المقهى الوحيد الموجود هنا، بقي مغلق لأزيد من 5 سنوات بسبب عراقيل المنتخبين الفاسدين، فكيف يمكن الاستثمار هنا؟”.
“كنا نحلم بمنتجع يعكس القيمة السياحية للمجال البحري بالمنطقة، وكنا نتطلع بشوق منذ عشرات السنين إلى خلق الشروط الضرورية للتنمية في علاقة بتثمين وتجويد المرافق والبنية التحتية ذات الصلة بالمنتجع السياحي، لكن لا حياة لمن تنادي، فالجماعة الترابية بالمعاشات التي يتواجد مقرها بالصويرية القديمة، لم تواكب مشروع عملية التعمير، ولم تهتم بالمنتجع، وفضلت التعامل مع المحيط القروي (خميس ولاد الحاج نموذجا) على اعتبار أنه خزان للأصوات الانتخابية لضمان ديمومة احتلال كراسي المسؤولية”. يؤكد أحد المستثمرين الذي يبحث اليوم عن من يشتري منزله الذي كان يطلب فيه ما يقارب 120 مليون سم في حين أن السماسرة لم يمنحوه سوى 35 مليون سنتيم.
قرية الصيادين.. أي أفاق؟
مازالت الصويرية القديمة على موعد مع مشروع قرية الصيادين والذي تقول السلطات في مخطط المشروع الذي حصل موقع “الجهة24” على نسخة منه، أنه سيعود على المنطقة، برواج سياحي وتطوير البنية التحتية وانتعاش اقتصادي للمجتمع المحلي، كما سيفك الحصار والركود على ضواحي المنطقة جراء توالي سنوات العجاف.
وجاء هذا المشروع بدعم من الوكالة الدولية للتعاون الياباني JICA بميزانية قدرها 150 مليون درهم غير قابلة للاسترداد، وسيتضمن مشروع قرية الصيادين إنشاء سوق السمك الجديد، الذي سيكون قلب توزيع المنتجات السمكية، على قطاع السدود البحرية في المنطقة، كما سيتضمن رصيف خاص بالإنزال الصحي للمنتجات السمكية على قدر كبير من المعايير الصحية ومنطقة النشاط الاقتصادي المصاحب وكذا منطقة مخصصة للصيانة القوارب والأشغال.
السلطات، كانت قد قالت إن الأشغال بهذا المشروع ستنطلق عام 2023، وستستغرق 21 شهرا، لتكون القرية جاهزة، لكن حتى الأن مازال الجمود سيد الموقف،/ وعام 2021 سجلت مبيعات الأصناف السمكية المتدفقة على سوق السمك بالصويرية القديمة تطورا ملحوظا، حيث بلغت 6 مليار سنتيم، وفي سنة 2017 تم التأمين على الحوادث للأطقم البحرية لجميع القوارب في عرض البحر وكذلك تم تجهيز كل القوارب بالرقاقات التتبع وتجميع المعطيات.