دهنون: براوي ظل ملتصقًا بهموم آسفي وفلسفته التدبيرية اعتمدت على السرية والتحفظ وعدم الثقة بـ“أقزام المرحلة“
الجهة 24 – آسفي
شهدت مدينة أسفي، في أجواء يملؤها الحزن والأسى، تكريمًا خاصًا للصحافي الراحل جمال براوي، عشية يوم الجمعة، وبراوي هو أحد أبرز الأسماء التي طبعت المشهد الصحافي والفكري، وخلال فقرة تكريمية ألقى رئيس فرع آسفي للنقابة الوطنية للصحافة محمد دهنون كلمة مؤثرة أضاءت جوانب مهمة من حياة الراحل، التي شكلت مزيجًا متفردًا من النضال السياسي، الالتزام المهني، والفكر.
الالتزام بآسفي وقضاياها
منذ بداياته، كان جمال براوي ملتصقًا بأسفي، المدينة التي حملها في قلبه أينما حل وارتحل. “كان عند قدومه إلى المدينة يتصل بالمقربين ليعلن: راني جاي، كولها للإخوان نتلاقاو“، هكذا استعاد دهنون في كلمته صورة جمال كشخص قريب من هموم الناس وشواغل المدينة. لم تكن أسفي مجرد نقطة على الخريطة بالنسبة له، بل كانت مرآة للحالة العامة للوطن، جعلها محور لقاءاته وتحليلاته.
حلم الديمقراطية والنضال الفكري
واستذكر دهنون أن براوي كان جزءًا من شعلة اليسار الديمقراطي في المغرب، متأثرًا بقادة الحركة، مثل عبد الرحيم بوعبيد. وظل براوي متشبثًا بمبدأ “التحليل الملموس للواقع الملموس”، وهو ما ميز تحليلاته السياسية والاجتماعية، التي لم تكن تفتقر إلى العمق أو الوضوح. وكان يرى أن الصحافة، كما النضال السياسي، وسيلة للدفاع عن الديمقراطية والتنمية المستدامة، محليًا ووطنياً.
صحافة حقيقية ومهنية لا تتهاون
وقال محمد دهنون، إن براوي، ورغم دخوله المتأخر إلى عالم الصحافة، استطاع جمال براوي أن يضع بصمته الخاصة بفضل وفائه للمهنة وأخلاقياتها. لم يكن براوي باحثًا عن المناصب أو الثروة، رغم علاقاته الواسعة بصناع القرار السياسي والأمني. كان يميز بين “صحافة مهنية” تخدم المصلحة العامة، و”صحافة الأجندات”، التي كان ينبذها بشدة.
دهنون وصفه بـ”المثقف العضوي” وفق مفهوم المفكر الإيطالي غرامشي، الذي يظل ملتصقًا بنبض المجتمع ومدافعًا عن قضاياه. هذه الرؤية جعلته يبقى وفيًا لمبادئ الصحافة النبيلة، بعيدًا عن انبطاح البعض أمام شبكات المصالح واللوبيات.
صناعة جيل من الصحافيين
وأشار دهنون أن براوي لم يكن مجرد صحافي ملتزم، بل كان مربياً وموجهاً. أسهم في تخريج أجيال من الصحافيين خلال التسعينيات وما بعدها، في وقت كان المغرب يشهد تحولاً إعلامياً هاماً. كان يؤمن أن الصحافي الحقيقي لا يمكن أن يعمل دون عمود فقري قوي، يحترم القواعد المهنية ويدافع عن قيم الوطنية.
وداعًا جمال… الصحافة في معركة جديدة
واختتم محمد دهنون كلمته برسالة حزن وأمل، قائلاً: “نم في مرقدك الأبدي يا جمال، كلنا في عطلة قصيرة اسمها الحياة”. ورغم أن الصحافة تواجه اليوم تحديات كبيرة، من الرداءة إلى التراجع المهني، إلا أن إرث أمثال جمال براوي يظل منارة تهدي الطريق للجيل الحالي من الصحافيين.