الجهة24- هيئة التحرير

كشف فريق من الباحثين المغاربة أن إقليم آسفي، الواقع في الساحل الأطلسي للمغرب، يزخر بتراث جيولوجي استثنائي يمتد لأكثر من 200 مليون سنة، يضم مواقع طبيعية وساحلية وكهوفا ومغارات، تشكل سجلًا حيا للتاريخ الجيولوجي والمناخي للمنطقة. الدراسة التي نُشرت في مجلة International Journal of Geoheritage and Parks في يناير 2025، اعتبرت أن هذه المؤهلات تجعل من آسفي مرشحًا بارزًا لاحتضان جيوبارك عالمي على شاكلة ما تعتمده منظمة اليونسكو.

وركزت الدراسة التي انجزت من قبل عميدة كلية آسفي السابق، زهور الرامي، والأستاذ الباحث مصطفى الحاميدي، على جرد وتقييم أحد عشر موقعًا جيولوجيًا داخل الإقليم، من بينها منحدرات سيدي بوزيد ولالة فاطنة، بحيرة الوليدية، مغارة الگوران، الصويرة القديمة، رأس بدوزة، وأودية ومقالع فخارية، إذ تم تحليلها وفق منهجية علمية دقيقة تعتمد خمس مراحل: الوصف، تحديد القيمة العلمية، القيم الإضافية (جمالية، بيئية، ثقافية)، إمكانية الاستعمال، ثم التقييم السياحي والتربوي مع تحديد المخاطر التي تهددها.

مواقع علمية وسياحية بارزة

وأبرزت النتائج أن منحدر سيدي بوزيد ومنحدر لالة فاطنة يمثلان أهم المواقع من حيث القيمة العلمية، لما يحتويانه من حفريات بحرية نادرة تعود للعصر الجوراسي والطباشيري، تكشف عن أشكال حياة قديمة تساعد في فهم تطور المحيط الأطلسي وحوض المتوسط. كما حازت بحيرة الوليدية، المصنفة ضمن اتفاقية “رامسار”، على تنقيط عالٍ بفضل تنوعها البيولوجي الغني بالطيور المهاجرة والنباتات البحرية. أما مغارة الگوران فهي موقع كارستي استثنائي يضم نقوشًا وصواعد وهوابط كلسية، لكنها تعاني من ضعف البنية التحتية التي تحد من استغلالها السياحي.

في المقابل، يشكل شاطئ الصويرة القديمة عند مصب وادي تانسيفت نقطة التقاء بين التراث الطبيعي والمعماري، حيث تنتصب الحصون القديمة شاهدة على التاريخ البحري والعسكري للمنطقة. كما يشتهر وادي الشعبة بارتباطه بصناعة الفخار التقليدي، التي تعد مورد عيش لمئات العائلات، فيما تكشف المقالع القديمة للطين والجبس عن تاريخ طويل في استغلال الثروات الجيولوجية.

تقييم علمي وتربوي وسياحي

أظهرت الدراسة أن غالبية المواقع سجلت أكثر من 6 على 10 في مؤشرات القيمة التعليمية والسياحية، ما يجعلها مؤهلة بقوة لتطوير أنشطة السياحة الجيولوجية والتربية البيئية. وقد حصلت بحيرة الوليدية على أعلى تنقيط تربوي بلغ 7.95/10، إذ تُستعمل أصلًا في الأنشطة الجامعية والدروس الميدانية.

كما أبرز التقييم أن 75% من المواقع تتوفر على مؤهلات قوية للجيوتوريزم، سواء عبر الزيارات الموجهة أو الأنشطة البيئية والثقافية، غير أن بعضها، مثل مغارة الگوران وجرف اليهودي، يظل مهددًا بتدهور متسارع بسبب غياب الحماية وضعف المرافق.

مخاطر متوسطة وتحديات قائمة

حددت الدراسة أن معظم المواقع تواجه مخاطر متوسطة ناجمة عن التدخل البشري والعوامل الطبيعية. فالتوسع العمراني العشوائي واستغلال المقالع والتلوث البلاستيكي يهدد السواحل والبحيرات، في حين تشكل التعرية والانهيارات والانزلاقات الطينية تهديدًا إضافيًا للمغارات والمنحدرات. كما أن ضعف التشريعات التطبيقية الخاصة بالجيوتراث في المغرب يزيد من هشاشة هذه المواقع.

تؤكد الدراسة أن استثمار هذا التراث في مشروع جيوبارك آسفي يمكن أن يشكل رافعة تنموية حقيقية، من خلال:
• خلق فرص عمل جديدة مرتبطة بالخدمات السياحية والبيئية.
• تعزيز مكانة آسفي كمختبر طبيعي للتعليم والبحث العلمي.
• تشجيع السياحة البيئية والثقافية بما يدعم الاقتصاد المحلي.
• ربط الجيولوجيا بالتراث الثقافي من خلال الصناعات التقليدية والمواسم الشعبية.

ولفت الباحثون إلى أن التجربة الصينية في الجيوباركات أظهرت نتائج ملموسة في تنشيط الاقتصاد القروي ومكافحة الفقر، إذ استقبلت بعض المنتزهات أكثر من 400 مليون زائر خلال سنوات قليلة، وحققت مداخيل بمليارات الدولارات.

المغرب وتجربة آسفي المرتقبة

المغرب يتوفر اليوم على جيوبارك واحد فقط مصنف عالميًا من اليونسكو هو جيوبارك إمغون. غير أن إقليم آسفي، وفق الدراسة، يتوفر على جميع المقومات ليكون ثاني جيوبارك وطني، خاصة بفضل غناه الجيولوجي وتنوعه الثقافي.

وخلص الباحثون إلى أن آسفي ليست مجرد مدينة صناعية مرتبطة بالفوسفاط والصيد البحري، بل هي أيضًا متحف طبيعي مفتوح يحكي قصة الأرض عبر ملايين السنين. وأوصوا بضرورة إشراك السلطات المحلية والمجتمع المدني والجامعات في وضع خطة متكاملة لحماية هذه المواقع وتثمينها، من خلال البنية التحتية، المسارات السياحية، التطبيقات الرقمية، والخرائط التعريفية.