دراسة علمية تكشف أول خريطة جينية كاملة لشجرة الأركان وتنشر أسرار زيتها ومقاومتها للجفاف

تمكن فريق بحث دولي مكون من أساتذة جامعيين وباحثين مغاربة وأجانب، من فك الشيفرة الجينية الكاملة لشجرة الأركان (Sideroxylon spinosum)، من التيلومير إلى التيلومير، أي بشكل شامل وكامل، وذلك باستخدام أحدث تقنيات تسلسل الحمض النووي.
وتُعد شجرة الأركان، التي تنمو طبيعيا في جنوب غرب المغرب، ثروة وطنية ذات أهمية اقتصادية وبيئية كبيرة، إذ يُستخدم زيتها في مجالي التغذية والتجميل، ويُشكّل مصدر دخل أساسي لآلاف الأسر المغربية، لا سيما النساء العاملات في إطار التعاونيات، كما تلعب الشجرة دورا محوريا في مكافحة التصحر والحفاظ على التوازن الإيكولوجي في المناطق التي تنمو بها.
خريطة جينية غير مسبوقة
بحسب دراسة حديثة نُشرت يوم الجمعة 15 غشت 2025 في المجلة العلمية Nature، استطاع الباحثون وضع خريطة جينية كاملة لشجرة الأركان، وتحديد عدد الكروموسومات التي تحتويها. ويُعد هذا الإنجاز خطوة علمية غير مسبوقة من شأنها تعميق الفهم حول الخصائص الوراثية التي تميز زيت الأركان، وقدرته على التكيف مع التغيرات المناخية، كما يشكّل مرجعا علميا عالي الجودة في مجال الجينوم النباتي.
وفي هذا السياق، أوضح محمد هجري، مدير المركز الإفريقي للجينوم بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بابن جرير، أن هذا الإنجاز يمثل أول مرة يتم فيها الحصول على الجينوم الكامل لشجرة الأركان، وهو ثمرة تعاون بحثي سابق بين المركز والمعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباط وأكادير.
وأشار هجري، أحد المشرفين الرئيسيين على الدراسة، إلى أن الباحثين أصبحوا اليوم يمتلكون “جينوما مرجعيا” لشجرة الأركان، ما سيفتح آفاقا جديدة في مجال دراسة هذه الشجرة وتطويرها.
وأضاف هجري في تصريحه لموقع “SNRTnews” الذي أورد الخبر، أن الجينوم الكامل للأركان يتضمن نمطين فرديين (ثنائي الصيغة الصبغية)، بحجم يُقدّر بـ636 و655 مليون زوج أساسي، على التوالي.
11 كروموسوما… ومفتاح فهم إنتاج الزيت
من أبرز ما توصّلت إليه الدراسة، تحديد عدد كروموسومات شجرة الأركان بدقة، والتي تبلغ 11 كروموسوما، بعد أن كانت التقديرات السابقة تتراوح بين 10 و12. ويحتوي جينوم الأركان على نحو 28,720 جيناً يقوم بتشفير البروتينات، كما أن حوالي 60% من الجينوم يتكوّن من تسلسلات متكررة.
وأظهرت مقارنة الجينوم مع أشجار أخرى كـ”الشيا” (12 كروموسوما) و”الشجرة المعجزة” (13 كروموسوما)، درجة عالية من التشابه في الترتيب الجيني (colinéarité) وحفظ ترتيب الجينات (synteny)، على الرغم من وجود تغييرات كروموسومية عديدة.
وأشار هجري إلى أن الكروموسومات الأكبر في شجرة الأركان ناتجة عن عمليات توسع واندماج كروموسومي، حيث يقابل الكروموسوم 1 في الأركان، الكروموسومين 6 و8 في الشيا، في حين يقابل الكروموسوم 2 الكروموسومين 3 و10 في الشيا، ويُعد الكروموسومان 1 و2 الأكبر حجما، ويحتوي الكروموسوم 2 على الجينات المسؤولة عن “تخليق” زيت الأركان.
هذا التجميع عالي الجودة يُعد موردا علميا ثمينا لفهم بيولوجيا شجرة الأركان وتنوعها الوراثي، وسِماتها المتعلقة بالتكيف والتخليق الحيوي للزيت.
خطوة نحو تحسين إنتاج الأركان
وأوضح هجري أن هذا الجينوم المرجعي سيشكل الأساس لتعميق المعرفة بتطور شجرة الأركان، مؤكدا أن غياب هذه المعطيات الجينية كان عائقا أمام تطبيق تقنية “التطعيم” (Le greffage) لتحسين صفات الشجرة، وهي تقنية حيوية لتحسين جودة الزيت وزيادة الإنتاج.
تنوع جيني واسع من الصويرة إلى بركان
تم اختيار شجرة فريدة من نوعها في منطقة الصويرة لإجراء هذه الدراسة، نظرا لخصوصيتها البيولوجية وتعقيد تركيبها الوراثي، واستغرقت عملية استخراج الحمض النووي عالي الجودة أكثر من عامين من العمل المتواصل.
ويُخطط الفريق العلمي في المرحلة المقبلة، تحت إشراف جامعة محمد السادس، إلى دراسة التنوعات الجينية لشجرة الأركان في مختلف مناطق المغرب، من أكادير والصويرة إلى بركان، بهدف الحفاظ على هذا المورد الحيوي.
وسيسهم هذا الإنجاز في تحسين إنتاجية وجودة زيت الأركان، عبر برامج تربية نباتية تستند إلى المؤشرات الجينية، وتعزيز مقاومة الشجرة للجفاف والظروف المناخية القاسية، إلى جانب حماية التنوع الوراثي للأركان وضمان استدامته البيئية والاقتصادية.