تقرير رسمي: واقع الصحافة الاستقصائية في المغرب باهت والتحقيقات لا تصل إلى العمق وتصطدم بصعوبة الوصول إلى المعلومة
في تشخيصها لواقع الصحافة الاستقصائية بالمغرب، وصفت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها حضور هذا الجنس الصحافي في البلاد بـ”الباهت”، وهو ما تعكسه “ندرة التحقيقات الاستقصائية الحقيقية”، ولاسيما منها “التحقيقات الاستقصائية التي تتناول مواضيعَ على قدر وافر من الحساسية وذات الأهمية والتأثير لدى الرأي العام، ومنها الفساد”.
حضور الصحافة الاستقصائية في المغرب ليس نادرا فحسب، بل إن “التحقيقات” التي تُنجز حول المواضيع الحساسة “لا تذهب إلى العمق، بل تتوقف عند حدود معيّنة”، بحسب النتائج التي خلُصت إليها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في دراسة موضوعاتية حول الصحافة الاستقصائية بالمغرب، قدمتها بمناسبة عرض تقريرها السنوي.
وفسّرت الهيئة “الحضور الباهت” للصحافة الاستقصائية في المغرب بـ”البيئة العامة التي تشتغل فيها، وهي بيئة تشهد تحولات كثيرة، بين التقدم أحيانا وبعض التراجع أحيانا أخرى، الأمر الذي لم يسمح بعدُ بالوصول إلى صحافة استقصائية متحررة من القيود الذاتية التي تكبحها وتمنعها من القيام بدورها الكامل في مراقبة تدبير الشأن العام في كل مناحيه، وفي تنوير الرأي العام ومدّه بالمعلومات الضرورية الكافية والموثقة التي تساعده على اتخاذ قراراته عندما يقتضي الأمر”.
وأجرت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة تشخيصا لواقع الصحافة الاستقصائية بالمغرب مع المهنيين، شملَ عيّنة من نحو 200 صحافي وصحافية، صرّح 50 في المائة منهم بأن حضور الصحافية الاستقصائية في المملكة “ضعيف”، واعتبر 32 في المائة أنه “ضعيف جدا”، واعتبر 18 في المائة أنه “متوسط”.
وسجلت الهيئة ذاتها مفارقة تجلّت في كون أغلب الصحافيين الذين صرحوا بأنهم أنجزوا “تحقيقات استقصائية” اشتغلوا على مواضيع تهم الهجرة غير القانونية والجريمة بشكل عام، والحياة في المناطق المعزولة والقروض الصغرى والمدارس العتيقة؛ بينما تهمّ تحقيقات قليلة مواضيع من قبيل السطو على العقارات وخبايا النظام الضريبي، وصفقات المعدّات الطبية إبان جائحة كورونا، ومواضيع تتعلق بالمالية العامة وسوق المحروقات.
وتفيد الدراسة بأن صعوبة الحصول على المعلومات تأتي في مقدمة العراقيل التي يواجهها الصحافيون المشتغلون في حقل الصحافة الاستقصائية، وهو ما يعني، في نظرهم، خللا في تطبيق المبدأ الذي نص عليه الدستور في الفصل 27 حول الحق في الوصول إلى المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية وغيرها.
ويرى 70 في المائة من الصحافيين المستجوبين أن من شأن تطبيق القانون المذكور أن يساهم في تطوير الصحافة الاستقصائية بالمغرب.
وخلُصت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بناء على نتائج الدراسة، إلى أن ضُعف حضور الصحافة الاستقصائية بالمغرب يُفسَّر أساسا بضعف قدرتها على التأثير وبطبيعة القضايا التي تعالجها.
فبغضّ النظر عن عدد التحقيقات الاستقصائية المنجزة، تردف الهيئة، “فإنها تبقى في المجمل غير مؤثرة”، و”أغلب المواضيع التي تمت معالجتها هي مواضيع لا تتماشى حتى مع التصور المعبّر عنه من لدن الصحافيين أنفسهم حول الصحافة الاستقصائية”؛ كما أنه “لم تتم بعد معالجة قضايا ذات حساسية وأهمية أكبر لدى الرأي العام أو عُولجت بشكل محدود”.
الفساد “أكثر انتشارا في قطاع الصحة”
من جهة ثانية، أظهر البحث الوطني الذي أنجزته الهيئة الوطنية والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن الفساد يحتلّ المرتبة الخامسة من بين العوامل الكامنة وراء هجرة المغاربة المقيمين بالخارج بنسبة 5 في المائة، بينما يبقى السببان الرئيسيان للهجرة هما تحسين الظروف المعيشية (79 في المائة)، والبحث عن عمل (69 في المائة).
ويفيد البحث بأن الفساد يشكل مصدر قلق أكبر بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج مقارنة مع المواطنين القاطنين، إذ اعتبر 17 في المائة من المواطنين القاطنين أن الفساد يشكل أحد انشغالاتهم الرئيسية الثلاثة، بينما يصل هذا المعدل إلى 33 في المائة بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج.
وبحسب نتائج البحث فإن الفساد يأتي في المرتبة السادسة ضمن انشغالات المغاربة القاطنين، بنسبة 17 في المائة، بعد جودة الخدمات الصحية والرعاية (56 في المائة)، والقدرة الشرائية وتكلفة المعيشة (50 في المائة)، والشغل والبطالة (46 في المائة)، والتعليم والتدريب (29 في المائة)، والولوج إلى السكن (22 في المائة).
ويأتي التوظيف والتعيينات وتطور المسار المهني في القطاع العام على قائمة المجالات التي ينتشر فيها الفساد وفق تصوّر المغاربة القاطنين، بنسبة 36 في المائة، يليه التوظيف والتعيينات وتطور المسار المهني في القطاع الخاص بنسبة 34 في المائة، والإعانات الاجتماعية العمومية للساكنة بنسبة 35 في المائة، ثم الحصول على الرخص (مأذونيات النقل) والرخص الاستثنائية، بنسبة 33 في المائة.
وبشكل عام، خلُص البحث إلى أن المغاربة القاطنين والمغاربة المقيمين في الخارج يعتقدون أن الفساد أكثر انتشارا في المجالات التي تقع ضمن اختصاصات القطاع العام، كمنح التراخيص والتصاريح، والتوظيف في القطاع العام، وتوزيع الإعانات الاجتماعية العمومية، والصفقات والمشتريات العمومية، أكثر منه في القطاع الخاص.
ويرى المواطنون القاطنون أن الصحة هي القطاع الأكثر تضررا من الفساد، إذ يعتقد 68 في المائة منهم أن الفساد “شائع أو واسع الانتشار بهذا القطاع”، متقدما على الأحزاب السياسية (53 في المائة)، والحكومة (49 في المائة)، والبرلمان (48 في المائة)، والنقابات العمالية (37 في المائة).
ويُرجع 26 في المائة من المغاربة القاطنين العواملَ الرئيسية المؤدية إلى انتشار وتطور الفساد في المغرب إلى الرغبة في الثراء السريع، وبطء الإجراءات. ويأتي انعدام روح المواطنة وضعف الوازع الأخلاقي في المرتبة الثالثة بنسبة 21 في المائة، وتعقيد الإجراءات، بالنسبة نفسها، وضعف الأجور والفقر (18 في المائة)، وانعدام الرقابة والمحاسبة (15 في المائة).