تقرير رسمي: غلاء الخدمات يدفع أزيد من مليون سائح مغربي للهرب نحو الخارج
كشفَ تقرير المجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم السياسات العمومية في المجال السياحي، بمجلس المستشارين، عن الاختلالات التي تعتري قطاع السياحة في المغرب، والإكراهات التي تواجه ارتقاء المجال السياحي، منبها إلى عدد من المشاكل المرتبطة بغلاء أسعار الخدمات السياحية بشكل يدفع السياح للتوجه نحو وجهات سياحية أخرى.
المجموعة التي أنهت أشغالها قبل أيام وستناقش التقرير خلال الأسبوع المقبل، أشارت إلى بعض الظواهر الاجتماعية المتعلقة بالتسول، والقطاع غير المهيكل، وإكراهات خارجية مرتبطة بانعدام الأمن والاستقرار.
إكراهات داخلية
ووقف تقرير المجموعة الذي اطلعت عليه جريدة العمق، على غلاء أسعار الخدمات السياحية، حيث تعرف أسعار المؤسسات السياحية ارتفاعا مهولا، خاصة خلال فصل الصيف مقارنة مع وجهات سياحية عالمية مماثلة للمغرب.
واعتبر التقرير أن ذلك يؤثر على التنافسية واستقطاب السياح الذين يفضلون وجهات أخرى أقل تكلفة وبخدمات أكثر جودة، بما فيهم المغاربة الذين يختارون قضاء عطلهم في إسبانيا أو البرتغال أو تركيا، وعددهم في ارتفاع متزايد سنة بعد أخرى، وصل لأكثر من مليون سائح مغربي سنة 2023.
وأوضح التقرير أنه بسبب قلة المراقبة أو انعدامها، فضلا عن عدم إشهار الأسعار والتباين الصارخ بين مؤسسة فندقية وأخرى مماثلة في التصنيف، يشكل غلاء الأسعار السياحية سواء المتعلقة بالإيواء أو بالتغذية عائقا حقيقيا أمام الأسر من الطبقة المتوسطة، ويحد من إمكانية استفادتها من فرصة قضاء عطلتها بسبب عدم قدرتها على تحمل تكاليف السفر وغلاء أسعار الخدمات السياحية، كما يحد ارتفاع الأسعار من تنافسية القطاع على المستوى الخارجي، يضيف المصدر ذاته.
وسجل التقرير الذي سيعرض للمناقشة خلال الأسبوع المقبل، ظاهرة التسول كواحدة من أخطر المشكلات الاجتماعية التي يواجهها المغرب، والتي تدخل ضمن الإكراهات الداخلية التي تواجه السياحة المغربية، حيث أصبحت تتميز بطابعها الاحترافي بعيدا عن مظاهر التضامن الإنساني والخيري، مؤكدا أن الفضاء العام يعاني من انتشار ظاهرة التسول بكل أنواعه نساء وشيوخا وأطفالا مما يسبب إزعاجا واضحا لعموم المواطنين وتزداد حدة ذلك بالنسبة للسائح.
وأشار أعضاء المجموعة إلى أن هذه الظاهرة أحيانا تتخذ أبعادا خطيرة لما يقرن طلب المساعدة بالعنف اللفظي أساسا، كما تحول التسول إلى نشاط احترافي بالنسبة للعديد من ممتهنيه، ورغم أن القانون الجنائي يجرم التسول ويعاقب عليه، فإن هذه الظاهرة تعرف انتشارا متزايدا بكيفية مقلقة، مما يشوش على الفضاءات العامة ويسيئ ليس فقط إلى الوجهات السياحية بل الى سمعة البلد بكامله، ويساهم في التأثير على القدرة التنافسية في المجال السياحي.
ومن بين التحديات الكبرى التي يعاني منها القطاع السياحي، المنافسة غير المشروعة التي يفرضها القطاع غير المهيكل، خصوصا مع الإمكانيات التي توفرها المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع السياح واستقطابهم، هذا النشاط يتم دون أن تستفيد الدولة من العائدات التي يجنيها أصحاب محلات الايواء غير المصرح بها بسبب عدم مساهمتهم في تأدية الضرائب والرسوم. ولا تقتصر الأضرار على هذا الجانب فقط، بل تمتد لتشمل التأثير السلبي على الصورة العامة للسياحة وعلى الأمن السياحي بالبلاد.
كما يمارس القطاع غير المهيكل منافسة غير عادلة، لأنه يقدم خدمات بأسعار أقل، مما يضع الشركات المنظمة في وضع تنافسي غير عادل وهو ما ينعكس على جودة الخدمات بسبب عدم الخضوع لأي شكل من أشكال الرقابة وانعدام الاحترافية، مما يؤثر سلبا على تجربة السياح ويؤثر على إمكانية عودتهم مرة أخرى، بالإضافة إلى التأثيرات الاجتماعية السلبية سواء فيما يخص العمالة غير المستقرة وانعدام الأمن الوظيفي والاستفادة من مزايا الحماية الاجتماعية، أو في انخفاض فرص التكوين وتعزيز القدرات.
إكراهات خارجية
الأمن والاستقرار السياسي عاملان حاسمان لاختيار الوجهة السياحية، وفي هذا الإطار أشار التقرير إلى أن المناخ السياحي الدولي عرف تقلبات ومد وجزر متواصل بسبب التوترات الجيوسياسية التي تعرفها الدول الرئيسية المصدرة للسياح نحو المغرب، خاصة تلك التي شهدت الأحداث الإرهابية المؤلمة التي عرفتها الساحة الدولية خلال سنوات 2014 2015 2016 و2017 كان أعنفها أحداث 13 نوفمبر 2015 بباريس كونها شهدت سلسلة من الهجمات الإرهابية المنسقة شملت إطلاق نار عشوائي، تفجيرات انتحارية، واحتجاز رهائن، أسفرت عن مقتل 137 شخصاً، وعشرات المصابين.
ولفت التقرير إلى أن هذه الدول لازالت تعيش على وقع تداعيات الأزمة الاقتصادية منذ سنة 2008 إذ أدت إلى عواقب طويلة الأمد على الاقتصادات الأوروبية، خاصة على مستوى ارتفاع مستويات الدين العام وارتفاع معدلات البطالة واضطرار العديد من الدول إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية صارمة وإجراءات تقشفية، مما أثر على الإنفاق العام بالإضافة إلى الهجمات الإرهابية ذات التأثير المباشر على قطاع السياحة وتداعيات بسبب النمو الاقتصادي البطيء.
وأشار المصدر ذاته إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تسبب في زيادة كبيرة في عدم اليقين الاقتصادي والسياسي وأدى إلى تخفيض التصنيفات العالمية لعام 2017، كما تسببت جائحة كوفيد – 19- في ركود اقتصادي حاد بسبب الشلل العام الذي أصاب مختلف مطارات العالم وما أدى اليه من شلل على مستوى تنقل الأشخاص وإغلاق تام للمؤسسات والوحدات الفندقية، وكانت السياحة الوطنية من أكبر المتضررين من هذه الأزمة الصحية.