الجهة 24- منصة هوامشفقد المغرب، في حصيلة غير نهائية، 37 مواطنة ومواطنا من مدينة آسفي في لحظات قليلة. لقد استيقظ “واد الشعبة” من سباته الطويل ليبتلع أحياء المدينة القديمة في فيضان غير مسبوق. الأمطار الغزيرة تحولت إلى كارثة مدمرة كشفت هشاشة البنية التحتية، وضعف التواصل. فكيف تحوّلت ساعة واحدة من أمطار غزيرة إلى كارثة مميتة؟ هل كان بالإمكان تفادي المأساة لو كانت الانذارات أكثر احترافية؟ هذا ما نكشفه من خلال هذا التقرير الذي اعتمد على المصادر المفتوحة.لم تكن عقارب الساعة قد تجاوزت الخامسة من مساء يوم أمس الأحد، 14 دجنبر 2025، حين تحولت سماء “حاضرة المحيط” الهادئة إلى لون رمادي داكن ينذر بالأسوأ. في غضون 60 دقيقة فقط، انتقلت مدينة آسفي من حالة الروتين المعتاد لنهاية الأسبوع، إلى مسرح مفتوح لواحدة من أعنف الكوارث الطبيعية والبشرية التي شهدها المغرب في العقد الأخير بعد زلزال الأطلس الكبير المدمر. لم تكن مجرد أمطار عابرة، (الأمطار استمرت 3 ساعات حسب مديرية) بل سيلا كبيرا جارفا أيقظ “وحشا قديما” ظن الجميع أنه مات منذ زمن، إنه “واد الشعبة”. ولم يكن المسؤول الوحيد بل كان مشاركا في “جريمة” ساهمت فيها أيضا بنية تحتية متهالكة أيضا.“واد الشعبة”.. الوحش القاتل؟لا يمكن فهم ما حدث في آسفي دون العودة إلى “المتهم” في هذه المأساة “واد الشعبة” الذي تحالف مع بنية تحتية مهترئة. يشق هذا الوادي المدينة ويقسمها إلى شطرين، وقد نسي السكان والمسؤولون خطورته نظرا لجفافه الطويل. واد الشعبة هو مجرى مائي موسمي قديم يخترق مدينة آسفي، ويُعد الامتداد الغربي لـ “واد بوشان” القادم من الرحامنة، قبل أن يصب مباشرة في المحيط الأطلسي بعد مسار يقارب 12 كيلومترا عبر شعاب ضيقة. ويتميز الوادي بشعبة ضيقة وعميقة، مع انحدار حاد في مجراه الأوسط والأدنى، وفق دراسات جيولوجية، ما يسرّع الجريان السطحي ويقلّص زمن تركّز المياه، فتصل السيول بسرعة كبيرة إلى وسط المدينة، بينما يغلب على مجرى الوادي طمي وصلصال، ما يعزز تشكل السيول بدل امتصاص المياه. تاريخيا، تسبب الوادي بفيضانات، وأهل المدينة يعرفون ذلك، لكنهم لم يشهدوا هذا العنف من قبل. تُظهر “مقاطع الفيديو” التي التقطت من زوايا مختلفة في أحياء المدينة القديمة، “سيدي بوزيد” و”التراب الصيني” و “الدبرة”، “أجنّان فسيان”، والتي كانت مغمورة بالكامل لحظة زحف الوادي، أن الماء لم يكن من “المطر الصافي”، كان وحلا ثقيلا بنيا داكنا، قادما من خارج المدينة، وهو ما يفسر قوته الكبيرة التي مكنته من جرف السيارات كأنها علب كرتون. المياه التي فاضت من الوادي اصطدمت بأسوار المدينة وغمرت محلاتها وأغلقت منافذ البالوعات. وهنا ظهرت مشاكل العمران القديم، وقنوات الصرف الصحي العتيقة، التي كان من المفترض أن تكون خط دفاع المسفيويين الأول، ومصيدة لمياه الأمطار، غير أنها بقيت لسنوات طوال بتصميم تقليدي، وبطاقة استيعابية لا تتناسب مع “التغيرات المناخية” التي أصبح المغرب عرضة لها. “تحليل الرعب”.. ماذا تنقل لنا الفيديوهات؟قبل أن تباشر القنوات الرسمية في بث الصور الأولى، كان المواطنون قد تحولوا أيضا إلى مراسلين. وفي الدقائق الأولى انتشرت الفيديوهات والبث المباشر لغرق السيارات، الأمر لم يكن يتعلق فقط بـ “حملة واد عادي”. تحليل عشرات الفيديوهات المتداولة على منصات “تيك توك” و”فيسبوك” و”يوتيوب” يكشف عن تفاصيل مروعة. في شارع بئر أنزران وساحة بوذهب، وثقت الكاميرات مشاهد صادمة. عشرات السيارات تتكدس فوق بعضها. في أحد المقاطع المؤلمة، يُسمع صوت صراخ نساء ورجال بينما تحاول سيارة مقاومة التيار الجارف قبل أن تستسلم وتختفي تحت جسر صغير. هذه المشاهدتؤكد أن السيول كانت مباغتة لدرجة أن السائقين لم يملكوا ثانية واحدة للمناورة.أما الأزقة الضيقة، من “باب الشعبة” إلى “بوذهب”، فقد تحولت إلى قنوات مائية مضغوطة. ارتفاع منسوب المياه في هذه الأزقة كان أسرع وأعنف بسبب ضيق المساحة. المشاهد أظهرت تجارا يحاولون يائسين، إغلاق أبواب محلاتهم، لكن ضغط المياه حطم الأبواب الخشبية والحديدية، جارفا البضائع (مجوهرات، ملابس، مواد غذائية، مصنوعات من الخزف).لقطات ليلية، صورت تحت أضواء البرق وكشافات الهواتف، أظهرت عائلات كاملة محاصرة فوق أسطح منازلها، يلوحون بأضواء الهواتف طلبا للنجدة في غياب تام -في اللحظات الأولى- لزوارق الإنقاذ.الملاحظة البصرية الأبرز في كل الفيديوهات هي الطغيان التام للون البني (الطين) ما يؤكد أن السيول جاءت من مناطق غير معبدة (الأراضي العارية المحيطة بالمدينة)، وهو ما كان عنصرا قاتلا غير متوقع للساكنة، حيث لا يعرف لحد الآن ماذا حدث وكيف ومن أين جاء هذا الوحش الذي التهم كل شيء، حاملا معه الركام والطمي. أرقام الموت.. بين الرسمي والواقعفي الدقائق الأولى تضاربت الأنباء حول حصيلة الضحايا، وهو ما خلق حالة من الهلع. الحصيلة الرسمية الأولية تحدثت عن 37 قتيلاً، (مرشح للارتفاع) وهو رقم ثقيل جدا. صحف محلية نقلت هذه الأرقام، مشيرة إلى أن معظم الضحايا قضوا غرقا داخل مركباتهم أو جرفتهم السيول أثناء محاولتهم عبور الشوارع.لكن التقارير الصحفية المحلية والدولية والشهادات الحية تشير إلى مأساة أعمق. هناك حديث عن “مفقودين” لم يتم العثور عليهم، حتى الساعات الأولى من صباح الإثنين، في المناطق التي غمرها الوحل بالكامل. صلاح الدين خرواعي صحافي من آسفي يقول إنه “”في محيط باب الشعبة بالمدينة العتيقة، وقعت مأساة حقيقية تكشف هشاشة العمران وقسوة الإهمال. أب وأم قدما من البادية رفقة طفليهما في رحلة تسوق بسيطة، قبل أن تتحول الأمطار العاتية وزحف واد الشعبة إلى فخ مائي قاتل حوّل الأزقة الضيقة إلى مجاري سيول حاصرت الأسرة وابتلعتها”. صورةُ الطفلَيْنِويضيف صلاح الدين أنه “بعد ساعات من الذعر والبحث، عُثر على الطفلين ناجيين بمعجزة في مجمع سكني آمن، فيما تأكد أن والديهما فارقا الحياة شهيدين لكارثة كان يمكن تفاديها”. “مأساة الطفلين، إلى جانب مأساة سيدة مسنة تعمل بائعة فخار تلاعبت بها السيول، وأسر أخرى لم تُكشف بعد، تستوجب الإعلان الفوري عن مدينة آسفي منطقة منكوبة”، يقول صلاح الدين.ورغم أن مديرية الأرصاد الجوية أصدرت نشرات إنذارية، إلا أن “ترجمة” هذه الإنذارات إلى إجراءات ميدانية (إغلاق طرق، إخلاء مناطق منخفضة، منع المرور قرب الوديان) كان غائبا تماما في آسفي. تركت المدينة تواجه مصيرها دون أي استنفار مسبق للسلطات المحلية، وهو ما يفسر الفوضى العارمة في الساعات الأولى.ارتفاع عدد الضحايا يعزى بشكل رئيسي إلى عنصر “المفاجأة”. في فيضانات سابقة بالمغرب (مثل فيضانات كلميم 2014)، كانت التحذيرات تسبق السيول بساعات. في حالة آسفي 2025، كان الحدث “خاطفا”، وهو النمط الجديد للكوارث المناخية الذي يضرب منطقة المتوسط، حيث تسقط كميات قياسية من الأمطار في حيز زمني ضيق جدا. وفق ما تقول منظمة الأرصاد الجوية العالمية. الهدوء الذي سبق العاصفة.. خدعة “التوقعات المطمئنة”كانت التوقعات الجوية تشير إلى زخات مطرية، وهو خبر سار في بلد أنهكته سبع سنوات من الجفاف المتواصل. تقارير الأرصاد الجوية الدولية تندر بـ”انتهاء موسم الجفاف” في شمال إفريقيا، بعد أن دق الإنذار الأخير، في يوليوز الماضي مصنفا المغرب ضمن أخطر بؤر الجفاف على كوكب الأرض. لكن ما حدث خالف كل قواعد الأرصاد العادية. ففي صبيحة يوم الأحد 14 دجنبر 2025، أظهرت تطبيقات الطقس على الهواتف النقالة أيقونة “سحابة رمادية بقطرات خفيفة”. كانت درجة الحرارة المتوقعة 17 مئوية، والرياح معتدلة. لا شيء في هذه الأرقام كان يوحي بأن المدينة على موعد مع “الموت”.بناء على بحث قمنا به في أرشيف النشرات الجوية العالمية ليوم الأحد 14 دجنبر، وجدنا أن المنصات الأكثر استخداما (مثل Weather.com وAccuWeather) كانت تشير حتى منتصف النهار إلى “زخات مطرية متفرقة” وكانت درجة الحرارة المتوقعة تشير إلى بين 16 و 17 درجة مئوية، والرياح معتدلة. لا شيء في هذه الأرقام كان يوحي بأن المدينة على موعد مع “كارثة قاتلة”.صور ذكاء اصطناعي تحاكي بدقة ما كان قد يشاهد المواطن في أسفي على الهاتففهل كانت الهواتف الذكية وتطبيقات الطقس شريكا صامتا في المأساة؟ كل هذه التطبيقات العالمية تعتمد على “نمذجة رياضية عامة” تغطي كل دول العالم، وغالبا ما تفتقر للدقة المطلوبة لرصد ظواهر محلية سريعة التشكل مثل “فيضان واد الشعبة”. وتعتمد هذه التطبيقات “خلف الكواليس” على مزودين عالميين للبيانات (مثل The Weather Channel لشركة أبل Apple)، ولا تأخذ بياناتها مباشرة من المديرية العامة للأرصاد الجوية في المغرب (DGM) إلا بشكل غير مباشر أو متأخر، مما يخلق “فروقا زمنية” تؤثر على التحديثات المحلية الدقيقة.في صبيحة الأحد الدامي، نجد في هذه التطبيقات عبارة “زخات خفيفة”، بينما كانت الرادارات المحلية للمديرية العامة للأرصاد الجوية تقرع أجراس الإنذار.تشير إحصائيات الاستخدام الرقمي في المغرب لشهر دجنبر 2025 (بحسب منصة Similarweb) إلى أن التطبيقات الخمسة الأكثر استخداما من طرف المغاربة لمعرفة الطقس هي تطبيقات أجنبية بالكامل (مثل Meteored، Windy، وتطبيقات النظام الافتراضية على Android وiOS). ويعتمد المغاربة المهتمين بالطقس ببساطة على “تطبيق الطقس” الموجود في هواتفهم (سواء iOS Weather في الآيفون أو Google Weather في الأندرويد) أو يقومون ببحث سريع على الإنترنيت. هذا “الفرق” بين مصدر المعلومة (الأرصاد الجوية) والتكنولوجيا العالمية (الهاتف) تخلق بشكل عام حالة من “الأمان الزائف”. فبينما كانت النشرة الإنذارية الرسمية (البرتقالية) تصدر عن السلطات المغربية، كانت غالبية الهواتف في جيوب الضحايا لا تزال تعرض أيقونة “الشمس خلف السحاب” وفق الأرشيف الذي اطلعنا عليه. وعند مراجعتنا لموقع Holiday-Weather ، الذي يعرض معطيات مفصلة عن الطقس المتوقع في كل ساعة، فإنه لم ينشر أي تحذيرات إلا قبل ساعات قليلة من وقوع الكارثة، وكان مكتوبا بلغة تقنية معقدة. عثرنا أيضا على فيديو على يوتوب، نُشر يوم 13 دجنبر (قبل يوم من الكارثة)، كان يتحدث فيه صاحبه عن “أمطار” قد تعرفها مناطق عدة من بينها أسفي، لكن بدون تحديد دقيق (أمطار ليلية) وقد شاهده 16 ألف فقط في كل أنحاء المغرب. في المقابل، فإن موقع Ventusky (متخصص في بيانات الطقس الفعلية المسجلة من محطات الرصد)، أظهرت المعطيات الفعلية المسجلة للحالة الجوية أن شدة الأمطار بلغت ما بين 38 و40 ملم في ساعة واحدة فقط، وهو رقم مرتفع يعكس عنف الهطول في فترة زمنية وجيزة. فيما أكد المدير الإقليمي للتجهيز والنقل واللوجستيك (عبد الرحيم تناس) أن آسفي شهدت كارثة طقسية استثنائية يوم الأحد الماضي. حيث تجاوزت التساقطات المطرية 60 ملم في ظرف ثلاث ساعات فقط وسط المدينة. لكن المدينة القديمة تعرضت للتركيز الأكبر للهطول. فيما لم تسجل أطراف المدينة نفس حجم التساقطات التي ضربت الوسط. من جهة أخرى، كانت المديرية العامة للأرصاد الجوية (DGM) تمتلك معطيات أدق وأخطر.“أفادت المديرية العامة للأرصاد الجوية بأنه يرتقب تسجيل أمطار قوية، وتساقطات ثلجية، ورياح عاصفية قوية، ابتداء من يوم الأحد، بعدد من مناطق المملكة” وفق ما نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء.وأوضحت المديرية،في نشرة إنذارية من مستوى يقظة برتقالي، أنه من المتوقع تسجيل أمطار قوية من 20 إلى 40 ملم بعمالات وأقاليم فكيك والرشيدية وآسفي وسيدي بنور والجديدة والرحامنة وبركان والناظور، وذلك اليوم الأحد من الساعة الخامسة والنصف مساء إلى الحادية عشرة ليلا بحسب قصاصة الـMAP التي تناقلتها عدة مواقع محلية. تُظهر وثائق النشرات الإنذارية أن المديرية أصدرت “النشرة رقم 145/2025” وحددت فترة الخطر ما بين الساعة الخامسة والنصف مساء والحادية عشرة ليلا. وبالفعل، انهمرت الأمطار بكثافة استثنائية في جل مناطق المغرب، وعلى إثر ما جرى وبفعل كثافة التساقطات أعلنت وزارة التربية الوطنية تعليق الدراسة في أقاليم آسفي وتطوان وورزازات والمضيق-الفنيدق، بسبب الظروف الجوية الاستثنائية. لماذا كل هذه السيول ؟ تفسير طبيعي !بحسب شهادات متطابقة وتقارير محلية، لم تستغرق العاصفة، التي ضربت آسفي، وقتا طويلا، (الأمطار استمرت لـ3 ساعات متواصلة بحسب تصريحات مديرية الأرصاد) في المقابل، تكبّدت آسفي خسائر بشرية ومادية فادحة. في الواقع، بمقاييس “الهيدرولوجيا” (علم المياه الجوفية والسطحية وهو تخصص يدرس دورة المياه وكيفية تحركها في الطبيعة وتدفقها عبر الأنهار والأودية والمجاري المائية)، كانت الكمية التي سقطت من الأمطار تعادل حمولة نهر على مدى أشهر. كيف ذلك؟جانب من صورة أقمار اصطناعية للتربة المحيطة بأسفيوفق المبادئ الهيدرولوجية، فإن خطورة التساقطات لا تُقاس فقط بعدد المليمترات المسجلة، بل بثلاثة عوامل رئيسية: سرعة الهطول، طبيعة التربة وقدرتها على الامتصاص، وحجم حوض التصريف. تشير الدراسات إلى أن زخات مطرية متوسطة قد تتحول، في ظرف زمني قصير، إلى سيول جارفة إذا سقطت فوق تربة مشبعة أو داخل أحواض مائية ضيقة. وتحدث السيول الجارفة أيضا في التربة المتصلبة بفعل سنوات الجفاف الطويلة، إذ لا تكون التربة، قادرة على امتصاص المياه، لأن الجفاف يحول الأرض إلى سطح صلب مثل الزجاج أو الجليد، وهو ما يحدث عندما تتوالى سنوات من الجفاف بحسب مقالات علمية، وتقارير أصدرتها منظمة الفاو. وهو ما قد يفسر حالة اسفي التي عرفت 5 سنوات متتالية من الجفاف على الأقل.صورة متداولة على الإنترنيتصكّ الاتهام.. هل هي الطبيعة أم الإهمال؟بينما تتجه أصابع الاتهام إلى غضب الطبيعة والتغير المناخي، فإن عشرات التدوينات لنشطاء، على منصات فايسبوك وانستغرام وإكس، توجه أصابع الاتهام إلى العنصر البشري والنهج التدبيري والبنية التحتية. وأظهرت الكارثة ضعف شبكة التطهير السائل في ساحة بوذهب، ومحطة الطاكسيات (سيارات الأجرة) خاصة، بل في داخل المدينة القديمة كلّها، ويبدو من خلال المشاهد العينية أن أشغال الصيانة لم تتم بالشكل المطلوب قبل موسم الأمطار، وهو ما ينتظر أن تكشف عنه التحقيقات التي باشرتها السلطات. صلاح الدين خرواعي، وهو صحافي من مدينة آسفي، انتقد صمت رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عقب الفاجعة، واعتبر أنه كان بمثابة “الاستجابة الرسمية للمأساة”. مردفا “يفترض أن تقوم حكومته بواجبها”.مباشرة بعد الكارثة أصدرت جمعية أطاك المغرب بيانا، اعتبرت فيه أن الحادثة تكشف حجم الإهمال البنيوي الذي تعانيه المدينة، محمّلة المسؤولية لتدهور البنية التحتية وسياسات عمومية تفضّل مشاريع كبرى “غير ذات أولوية” على حساب سلامة المواطنين. وطالبت بفتح تحقيق فوري وشفاف ومحاسبة المسؤولين، داعية إلى تغيير توجهات الاستثمار العمومي بما يضمن حق الساكنة في الحياة والكرامة، مؤكدة أن ما وقع “ليس قضاءً وقدرًا” بل نتيجة مباشرة لسياسات التهميش.وتعالت أصوات مدونين تطالب بمحاسبة المجلس الجماعي والمسؤولين عن التجهيز. الشعور السائد في آسفي هو شعور “الحكرة” والتهميش، وفق العديد من المنشورات، حيث يرى السكان أن مدينتهم، رغم كونها قطبا اقتصاديا وصناعيا (الفوسفاط)، تفتقر لأبسط مقومات البنية التحتية التي تحمي أرواح المواطنين. ويشكل المجمع الكيماوي للفوسفاط في آسفي أحد الأعمدة الرئيسية للإنتاج داخل منظومة OCP، ويوجه معظم إنتاجه للتصدير، مع استمرار النقاش المحلي حول مدى انعكاس الأرقام الضخمة للإنتاج على التنمية والبيئة داخل المدينة وعلى سكانها.ما بعد الطوفان.. جراح لا تندملمع انحسار المياه صباح الاثنين، انكشفت الكارثة بكامل أبعادها. نقل شهود عيان، وصحافيون محليون أن طبقة سميكة من الأوحال تغطي المدينة. روائح كريهة تنبعث من اختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي. سيارات مدمرة ملقاة عشوائيا كشواهد قبور معدنية.أمام هذا الوضع، أطلقت تنسيقيات أحياء المدينة القديمة في آسفي نداءات استغاثة ومبادرات تضامنية ميدانية لمساعدة المتضررين وتنظيف الأحياء من الأوحال، وتداولت فيديوهات توثق حجم الضرر. “الخسائر الاقتصادية فادحة. المحلات التجارية في المدينة القديمة، التي تعاني أصلا من ركود اقتصادي، تلقت ضربة قاضية. البنية التحتية الطرقية تحتاج إلى أشهر، وربما سنوات، لتعود إلى ما كانت عليه. لكن الخسارة الأكبر هي فقدان الثقة. ثقة المواطن المسفيوي في البنية التحتية التي يمشي عليها، وفي المسؤولين الذين انتخبهم لحمايته” يقول فاعل جمعوي تواصلنا معه عن طريق المحادثة الفورية على فايسبوك .سي كان الأحد المرعب لفيضانات آسفي 2025 جرس إنذار للبلاد؛ لم يكشف عن الوجه القبيح للتغير المناخي فحسب، لكنه أظهر أنه حين يلتقي الوجه الأخر للطبيعة، مع بنية المدن القديمة، خاصة قنوات صرف المياه، فإن المواطنين هم من يدفعون الثمن الأغلى، يدفعونه من أمنهم وأرواحهم. تصفّح المقالاتتأجيل الحصص الدراسية بالكلية متعددة التخصصات بآسفي بسبب سوء الأحوال الجوية في سياق كارثة الفيضانات فريق “البجيدي” يدعو مجلس البداوي إلى عقد دورة استثنائية عاجلة لرفع مطلب إعلان آسفي مدينة منكوبة