تحقيق l القصة الـكاملة لإنهيار قطاع الصحة وكابوس الخدمة الإجبارية في المغرب
حمّو، رجل ستيني، يعاني من مرض القصور الكلوي وسرطان الرئة، إلتقيناه بالصدفة، ينحدر من منطقة تنغير، قدم إلى الرباط من مرتفعات الجبال البعيدة، ليرابط أمام الباب الرئيسي لمستشفى عمومي بالرباط منذ أسابيع، إنه ينتظر دوره الذي ربما لن يأتي… نحن الآن في قلب الانتظار الكبير الذي يعانيه المواطنون القادمون من المناطق النائية، في طوابير كبيرة أمام البوابات الرئيسية، ويواجهون تكاليف العلاج الباهضة. مرمية أجسادهم بين صماصرة الدواء، وتخترق مخيلتهم أسئلة كثيرة وعميقة..ربما سجيب عنها هذا الملف.
في المغرب، وحسب إحصاء 2014، يجد أكثر من 13 مليون مواطن يقطنون بالعالم القروي، أنفسهم وسط كومة من الاشكالات المتراكمة يعشون العزلة، وقد أكد الملك محمد السادس، في خطاب العرش الأخير، ”أن أكثر من 12 مليون مغربي يعانون الهشاشة”..
ما يحدث أمام هؤلاء الفقراء في الواقع يجعلهم أبعد بكثير من الوعود التي قطعتها الخطابات الرسمية، يعيشون المأساة، ككائنات حية غير معنية بالعلاج، تواجه مصيرها دون أن يكون لها حق الرّد. غير أن منظمات دولية تنتقد الوضع، وتصنف المغرب ضمن 57 دولة تعاني نقصاً حادّا في الموارد البشرية الصحّية في العالم، تؤثثه مستشفيات عمومية تعاني من خصاص مهول على مستوى الأطر والبنيات التحتية، مرافقها جد تقليدية ومتهالكة. زرنا عددًا منها في إطار هذا التحقيق، لم يسمح لنا بأخد صور ولا أشرطة داخل هذه البنايات. لكننا سننقل لكم تفاصيل المعاناة اليومية للمواطنين، سسنفتحص بعض الأرقام، ونتأمل الوضع بتأن، ثم نكشف لكم بالتفاصيل الدقيقة جحيما إسمه قطاع الصحة.
لقطة أولى من مشهد عام
بعد جملة الإختلالات الكبيرة التي عرفها نظام ”راميد”، وصل الوباء إلى مراحل متقدمة داخل هذه الأجسام النحيفة، طوابير متراصة أمام مستشفيات العاصمة، تنتظر أدوارها وتتحسر على كل ليلة ضاع فيها أمل العلاج، بسبب البعد مئات الكليمترات عن مراكز العلاج وتكاليفه الباهضة. يضطر البعض إلى دفع تكلفة علاج “سرطان الرئة”، حسب ما إستقيناه من معطيات، بأكثر من 35 ألف درهم، وعلاج “سرطان القولون” وصل إلى مبلغ 31 ألف درهم، ثم “سلطان عنق الرحم والحنجرة” وصل إلى 50 ألف درهم، ثم “سرطان الثدي” وصل إلى 30 ألف درهم. ولا يجد حمّو القادم من أعماق الجنوب ما يغطي به هذه التكاليف. لذلك جلس تحت شمس شتنبر أمام باب المشفى، يحسب أيامه إستعدادا للرحيل إلى الأبد.
إلى جاب الرجل الستيني، ترسم ملامح المرضى صورا قاتمة، غياب الأطباء، وشح الأدوية، وتكدس المستعجلات بمرضى مستلقون على الأرض قادمون من مناطق الهامش، حيث لا أدوية ولا فحوصات ولا أطر طبية، يقطعون الكيلومترات ليجدوا أنفسهم أمام مصالح استشفائية متسخة وتجهيزات طبية قديمة وأسرّة متهرئة وقليلة، و”ركام من القمامة ينتشر أمام البوابات الرئيسية، وعلى الأرصفة كذلك” ومع ذلك فهم من يدفعون للبقاء على قيد الحياة حيت لا تتكلف الوزراة إلا بأقل من 20 في المئة لتمويل الصحة.
ولا يزال المغرب متخلفا عن تأدية تكاليف العلاجات، عزيز الغالي دكتور صيدلي وعضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يقول لـ ”لكم” ”مازال تمويل العلاجات يعتمد بالدرجة الأولى على الأداء المباشر للأسر. فحصة المصاريف الصحية التي تتحملها الأسر بطريقة مباشرة تبلغ 64 % باحتساب مصاريف التنقل والإقامة، لا تجتذب منها المستشفيات العمومية إلا %4.4 والباقي يذهب إلى المصحات الخاصة في المدن الكبرى حيث تتمركز أهم المراكز.
هل خفضت الوزارة فعلا ثمن الأدوية؟
في ما يخص تخفيض قمية الدواء وجدنا من خلال التدقيق في بعض الأرقام أن 59 في المائة من الأدوية المهمة أي ما يصل إلى 3140 دواء لم تعرف سوى تخفيضا طفيفا لا يتجاوز 10 دراهم منها حيث أن الأدوية التي عرفت تخفيضا بـ درهم واحد.
أما التي عرفت تخفيضا من 10 إلى 100 درهم لم تتجاوز 13 في المائة من الأدوية أي 711 دواء، أما التخفيضات المهمة والتي كانت بين 100 درهم إلى 500 درهم فلم تتجاوز 2 في المائة من الأدوية أي 144 دواء، وبخصوص الأدوية التي عرفت تخفيضا كبيرا من الثمن أي بين 500 و1000 درهم فهمّت فقط 0,70 في المائة من الأدوية ولا تتجاوز 37 دواء، أما تخفيضات بين 1000 فما فوق فلم تتجاوز 37 دواءً أيضا. وبهذا نرى أن الأدوبة المستعملة بوفرة لم تعرف إلا تخفيضات طفيفة تتراوح بين درهم و10 دراهم، زد على ذلك أن الوزارة تشتري مثلا دواء ZAREX 150mg بقيمة 109 دراهم في الوقت الذي يباع للعموم بـ 1040 درهم، وتشتري دواء DOCETAXEL 80mg/B1 بحوالي 345 درهم ويباع للعموم بـ3386 درهم.
بداية الرحلة
في الهامش والقرى البعيدة، سنخوض غمار رحلة البحث عن مآسٍ إنسانية مختفية وراء جبال المناطق النائية، والتحقيق في الأعطاب الكبرى لقطاع الصحة بالمغرب، وذلك في عز تبادل الاتهامات بين أكثر من ستة آلاف طالب طبّ ووزارة الصحة بالمغرب حول مشروع “الخدمة الوطنية الإجبارية في المناطق النائية”، الذي يرى فيه الحسين الوردي، وزير الصحة، القليل من الأمل لإنقاذ الفقراء من أمراضهم المفضية إلى الموت، فيما يرى فيها الأطباء ”لغما خطيرا” يقودهم إلى المجهول.
كيف تدبر الدولة قطاع الصحة؟ ولماذا فشلت بعد قرابة 30 سنة في التقدم بضع خطوات؟ لماذا يعيش البسطاء ماساة حقيقية أمام المستشفيات العمومية بالمركز وفي المناطق النائية، هل الطاقم الطبي المتوفر في المغرب كاف لعلاج أكثر من 33 مليون مغربي ومغربية؟ وما هي أسباب نزول ”الخدمة الوطنية الإجبارية” وما هي أسراره؟ كلها أسئلة جعلتنا نغوص في أعماق واقع الخدمة الصحّية بالمغرب لوضع الصورة تحت مجهر التقصي.
خلفيات تمرير الخدمة الإجبارية
صدر بتاريخ 9 شتنبر 2015 مشروع قانون 28.15 يتعلق “بالخدمة الوطنية الإجبارية الصحية”. وزير الصحة الحسين الوردي يعتبر أنها مسودة قابلة للنقاش وحتى للإلغاء، لكنه يصر، لإرسال الخريجين الجدد لمعالجة مرضى المناطق النائية، لأنه، بحسب الوزراة، تعدّ الخدمة الوطنية الصحية واجبا وطنيا يقتضي القيام بمزاولة مهنة الطب والمهن التمريضية بموجب عقد معد من طرف الإدارة بالمؤسسات الصحية التابعة للدولة لمدة سنتين متتاليتين.
ووجد الحسين الوردي رغم قلة المناصب المالية المخصصة لوزارة الصحة، مبررا مقنعا، إذ أن 26 في المائة من الأطباء لم يلتحقوا بالمناطق النائية بعد تعيينهم، أي ما يعادل 104 منصب مالي سنة 2014. وتؤكد وزارة الصحة، أن تخلف هؤلاء الأطباء عن الالتحاق بمقرات العمل في المناطق القروية يكرس النقص الحاد في الموارد البشرية ويؤثر بكيفية مباشرة على الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين التي لا يتجاوز الولوج إليها بالمغرب 70 في المائة في السنة، مقابل 170 في المائة في تونس، ومعدل 700 في المائة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.
ويبدو أن هذا النقص الحاد، في الأطر، والولوج إلى الخدمة،كان بمثابة ”الجوكير” لإقناع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران لدعم المشروع القاضي بإجبار الخريجين في سلك التطبيب لحزم حقائبهم والتوجه إلى المناطق النائية. وقرر المجلس الحكومي، تقديم الدعم الكامل لوزير الصحة في تطبيق مشروع الخدمة الإجبارية، رغم الرفض المتواصل له من طرف الطلبة الأطباء وجل الأطر الطبية بالبلاد.
هذا الدعم السياسي جاء على خلفية الخصاص الكبير الذي يعانيه المجال القروي على مستوى الموارد البشرية، ولكنه ليس العامل الوحيد إذ يجد له مرجعا في التقرير الأخير الذي صدر عن البنك الدولي حول واقع الصحة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والذي رسم مخططا يمتد إلى سنة 2030.
البنك الدولي يرسم سياسة المغرب في الصحة
اعتبر تقرير البنك الدولي أن هيكل أولويات الإصلاح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يجب أن يرتكز على الكفاءة، وتقديم الخدمات، والتمويل والصحة العامة، ويضيف التقرير أنه ”لضمان تلبية نظام الصحة لاحتياجات السكان، يجب أن تضمن الحكومات، ومنها المغرب، توفر ما يكفي من موارد الصحة والبنية الأساسية المناسبة، فضلا عن ضمانها لتوزيع هذه الموارد (ومنها المورد البشري) بصورة مناسبة عبر المناطق الجغرافية ومستويات الدخل. ولم يكن التقرير وحده من دفع الحكومة إلى دعم القرار بل هناك خلفيات أخرى.
هاجس تحسين رتبة المغرب في تقرير الأمم المتحدة
صورة المغرب لدى الأمم المتحدة تشكل هاجسا للدولة المغربية بعد توالي التقارير السلبية عن قطاع الصّحة رغم إعلان الاستراتيجية القطاعية للصحية. ونظرا لأن المغرب يسجل أضعف المعدلات في المورد البشري الصحي لدى المنظمة بالمقارنة مع الجزائر والبحرين وتونس وتوركيا ودول مماثلة، فإن قرار تمرير مشروع الخدمة الإجبارية يعتمد على ضرورة تحسين جودة الخدمات والمورد البشري في المناطق النائية لتلبية معايير المنظمة الدولية.
إن المشروع على هذا النحو، سيمكن الحكومة من توفير أزيد من 8 آلاف إطار صحي سنويا دون أن تكون الوزارة ملزمة بتشغيلهم، وربما يسهل عليها التخلص منهم فيما بعد، حسب متتبعين، وستضمن لها معدلات مقبولة لدى الهيئات الأممية. ويعتبر هذا الرقم الكبير مشجعا إذا نجحت الحكومة في تمرير المشروع، الذي يلبي نوعا ما النسبة المطلوبة دوليا، ويسعى به المغرب لإرضاء تقرير الأمم المتحدة الأخير حول عدم التكافؤ في الفرص والبنية التحتية غير المتوازنة بين المناطق.
الدولة تفكر في التخلص من تدبير قطاع الصحة
إن المرتكز الثالث لمشروع الخدمة الإجبارية، يبدأ من التصريحات الأخيرة لعبد الاله بنكيران التي كانت واضحة بما يكفي لقد “حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية، مثل الصحة والتعليم، فلا يجب أن تشرف على كل شيء، بل ينبغي أن يقتصر دورها على منح يد العون للقطاع الخاص الراغب في الإشراف على هذه الخدمات”، وقد عزز هذا الطرح عبد الحفيظ العلمي حين أكد أن دور الدولة في قطاع الصحة عليه أن يقتصر على المراقبة والتنظيم.
يرى البعض أن مشروع قانون الخدمة الإجبارية ما هو إلا إجراء آخر يأتي في هذا الإطار، خصوصا أن جميع مرافق المستشفيات العمومية، أوكلت إلى الخواص، من الحراسة، إلى الأكل، إلى الأدوية، ولم يتبق للدولة غير سلطة التدبير، فهل تريد تفويت الطلبة الأطباء أيضا إلى القطاع الخاص كما يعتقدون؟ خصوصا وأن المادة 17 التي يتضمنها مشروع الخدمة الإجبارية، تقول إنه لا ينتج عن العقد بين الخرجين والوزارة، في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة طبقا للمادة الثالثة، التي تؤكد أن “مزاولة الخدمة الوطنية الإجبارية تتم بموجب عقد”، حدده القانون في سنتين.
الخدمة الإجبارية.. سوء الفهم الكبير.. أطباء هاربون من جحيم الهامش
إن رفض الأطباء للقانون، وقوة ردهم على الميدان، جعل الملف أكثر تعقيدا ويلفه الغموض. وتبدأ تفاصيل فك لغز القانون الجديد من تصريح لمصدر إداري مطلع من وزارة الصحة الذي أكد لـ”لكم” أن أسباب إخراج القانون الجديد يجد مبرره في عدم رغبة الأطباء في الالتحاق بالمناطق النائية منذ سنوات خلت، وكشف أن مئات الأطباء لم يلتحقوا السنة الماضية لما علموا أن الأمر يتعلق بالقرى، وتم تعويضهم بممرضين، ”وإن رفضهم التوجه لمعالجة المرضى الفقراء خلف الجبال البعيدة، يضيف المصدر، أعطى الضوء الأخضر لـ” فرض الإلزام” في الخدمة الصحية وهو الحل الوحيد والممكن، وسندافع من أجل تمريره”.
ولم يقف أيضا ووزير الصحة مكتوف الأيدي إذ وجه انتقادات لاذعة للطلبة، وعمم بلاغات تلو الأخرى، وأشرطة فيديو تم تداولها على نطاق واسع، مما وضع الطلبة المقاطعين، في موقف محرج أمام الرأي العام، وقال الوردي في تصريح خص به موقع “لكم“، “المطلوب من الطلبة هو فقط معالجة الفقراء الذي يتواجدون في المناطق النائية، وإنجاح نظام المساعدة الطبية وتقريب الخدمات الصحية من المواطنين”.
محطّات عبور
بلال، ممرض (28 سنة) في منطقة نائية قريبة من جماعة سكورة بالجنوب الشرقي للمغرب، كشف بعدا أخر للموضوع، ويقال لموقع لكم ’’إن الممرضين لا يرفضون الإلتحاق، عكس بعض الأطباء، لكن لن أخفيك سرّا، فلا نحن ولا الأطباء نعتبر مجرد موظفين أشباح ”ديكور”، يمكن أن أقول لك أني مجرد عسّاس (حارس) على الأكثر، ولست ممرضا، لأني لا أقدم أية علاجات، والطبيب لا يستطيع ذلك أيضا، ليس لديه أي وسائل بيوطبية، أنا أحرس ذلك المبنى فقط، لأن القانون يمنعني حتى من تقديم الاسعافات الأولية، ولأن الوزراة ترسل لي “20 بوماضا ديال العنين” في مدة ثلاث أشهر، فإني في بعض الأحيان أكتفي بإعطاء الأدوية العادية للمرضى بعد فحص ضغط الدم أو الحرارة، إن هذا استهتار بي وبصحة المغاربة، يضيف بلال، ”ولأن المصحة مهترئة، نكتفي بإرسال المرضى إلى مستشفيات أخرى، نحن لا نعمل هنا رغم التحاقنا، نحن مجرد أجساد متحركة، نكتب أوراقا جوفاء ونرسل المرضى إلى أماكن أخرى، نحن محطات عبور فقط”.
فاطمة الزهراء متمسك، (25 سنة) طالبة طب بمدينة مراكش، تقول لـ”لكم” ”إن الطلبة الأطباء يرفضون فعلا وبشكل قاطع مقترح قانون الخدمة الإجبارية، لأنه يعتمد أولا على الإجبار، ولأن الحل لن يكون بإرسال الطبيب إلى مناطق تفتقر لأدنى شروط العمل والتجهيزات الضرورية والوسائل الأساسية الدنيا التي تسمح بمزاولة المهنة، ولأن الوزارة قررت إرسالهم لمدة سنتين في إطار عقدة محدودة دون توظيف إلى محطات عبور”.
الأرقام على الأرض.. “جحيم” مسكوت عنه داخل وزارة الصحّة
إن تصريح الوزير، الذي يوصي بضرورة إفاء الفقراء حقهم من العلاج، ربما يجد له صدى في آذان سكان الهامش، المفروض عليهم تأدية مبالغ مالية للتنقل إلى العاصمة الرباط أو الدار البيضاء من أجل العلاج. وإن المعطيات الموجودة في سجلات الجهات، تؤكد فعلا أن عددا من الأطباء يرفضون الالتحاق بالمناطق القروية، غير أن هذا الخطاب الذي وصف من طرف الطلبة “بالشعبوي” لم يرضي الكثير من المزاولين للمهنة أو المقبلين عليها.
أطباء لا يلتحقون
لقد وصل عدد الأطباء الغير الملتحقين بالقرى إلى قرابة 25 في المائة من نسبة المعيننين هناك، سنة 2014 على المستوى الوطني، فيما وصل إلى قرابة 60 في المائة في بعض المناطق البعيدة الواقعة في جهة درعة تافيلات، وذلك حسب مصدر مطلع من مندوبية الصحة بالراشدية. وسواء إلتحق الـ 25 في المائة، يبقى حجم الخصاص مهولا، فالمغرب يحتاج إلى حوالي 20 ألف طبيب وممرض خلال هذه السنة لتلبة معايير منظمة الصحة العالمية.
الدكتور عزيز الغالي يرى بأن وزارة الصحة تتجه إلى تقليص عدد الأطباء بدل الرفع منهم، نظرا لتقليص عدد المناصب المالية خلال سنة 2015، يتساءل أين هو الوعد الذي قطعته حكومة إدريس جطو، بتوظيف 30 ألف طبيب في أفق 2020؟
إن احصائيات عدد الأطباء بالمغرب التي يكشف عنها التحقيق تعتبر هزيلة جدّا وغير مرضية للمعايير المعتمدة، وقد تكشف جواب خفية لما يصفه الطلبة المحتجون ”مناورة الوزارة في دغدفة مشاعر الفقراء” وذلك لأن استراتيجية الدولة تتجه عكس ما تفصح عنه أرقام المتغيبين.
إضافة إلى ذلك تعتبر المناصب المالية التي فتحها وزراة الصحة السنة الماضية غير مشجعة ولا تعكس حجم الخصاص والأرقام المعلنة، ولا تستطيع سد الفجوة حتى وإن التحق جميع الأطباء الذين يتم تعيينهم، وتقف التعويضات المالية للأطباء الجدد في 7000 درهم، بعد 7 سنوات من الدراسة، رغم حملهم للقب دكتور، غير أنهم يتخرجون في السلم الإداري بسلم ”ماستر”.
وتتجه الوزارة إلى إخراج قانون جديد من بين رفوفها، يعتقد البعض أنه يهدف لوقف التوظيف في قطاع الصحة لمدة 5 سنوات، وذلك عكس ما أتت به الإستراتيجية الوطنية التي وعدت بالتوظيف. وما يزيد من قوة هذه الفرضية، إعتماد وزراة الصحة التقليص في عدد المناصب خلال سنة 2015 الجارية، في أفق إغلاقها، حيث المناصب المالية للأطباء العامون لم تتجاوز 15 منصبا، وانتقلت من ألف منصب مالي سنة 2010 إلى 150 منصبا ماليا سنة 2015 بالنسبة للأطباء الاختصاصيين.
إن النقص الحاد في الأطر الصحية بالمغرب، يعزى حسب تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى الهجرة، والمغادرة الطوعية، والتقاعد، وسوء ظروف الاشتغال، ففي 2013، كان عدد المغاربة المشتغلين في مجال الصحة في فرنسا يقدر بما يفوق 5000 طبيب.
طاقم طبي “هزيل”
لا يتعدى عدد أطباء جراحة القلب في المغرب 55 طبيبا، مقابل 33 مليون نسمة، وأطباء أمراض النساء والتوليد لا يتجاوز 292 طبيبا، 49 طبيبا للشغل، وأطباء العلاج بالأشعة لا يجاوز 93 طبيبا، أما عدد الأطباء المتخصصون في الصحة العمومية فلا يتجاوز 22 طبيبا في جميع أنحاء المغرب في سنة 2014، وينذر بالكارثة في المجال الصحي أن العشر سنوات القادمة ستعرف إحالة حوالي 40 في المائة من الأطباء والممرضين على التقاعد.
وتعليقا على شح الموارد البشرية، أكد بيان للجامعة الوطنية للصحة، النقص الحاد في الموارد البشرية، وقلة الأسرة، واكتظاظ في مجموعة من المصالح مما يفاقم من متاعب الموظفين والمواطنين في مستشفى الأطفال بالرباط، وطالب بالاعتراف بخصوصية قطاع الصحة والنهوض به ليكون في مستوى حاجيات وتطلعات المواطنين وتحسين الأوضاع المادية والمهنية لنساء ورجال الصحة.
طبيب ونصف لكل ألف مواطن
يوفر المغرب 1.51 طبيب لكل ألف مواطن في المعدل العام فقط، وفي بعض المناطق، لا يتجاوز العرض طبيب واحد لكل ستة ألاف نسمة، في حين يستقر الحد الأدنى اللازم لبلوغ أهداف الألفية للتنمية في 2.5 طبيب لكل ألف نسمة. وعموما فالعرض الذي يقدمه المغرب لا يتجاوز 6 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، مقابل 12 طبيبا لكل عشر ألاف مواطن في تونس، وحاولي 12 طبيبا أيضا لكل عشر ألاف في الجزائر، و51 طبيب في إسبانيا لكل 10 ألاف مواطن إسباني. وتكشف هذه الأرقام هزالة المورد البشري الطبي.
وصل عدد الأطباء بالمغرب سنة 2015 حولي 17 ألف و121 طبيبا منهم فقط 8 ألاف طبيب يشتغلون في القطاع العام أي ما يعادل 47 في المائة فقط وهو ما تقول عنه منظمة الصّحة العالمية أن يتفتقد للمعايير الدولية.
ويرى طلبة الطب، أن التراجع الكبير الذي عرفه عدد المناصب المالية المخصصة لإدماج الأطباء بالقطاع يعزى إلى سياسة الخصخصة التي تنتهجها الدولة، ويضيفون أن التوزيع الجهوي للأطباء لا يجعل من محور الرباط/الدار البيضاء جنة صحية كما تصوره الوزارة، و إنما هو كباقي المناطق المغربية (بل و أسوء من بعضها) يعرف نقصا مهولا في أطباء القطاع العام، لكن الوزارة تستعين بأطباء القطاع الخاص لسد الخصاص.
نفس الرأي يتقاسمه الإطار الطبي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز الغالي، الذي أكد لـ ”لكم”، أن مشروع الخدمة الإجبارية ليس حلا مناسبا، وأن النقاش المطروح حاليا، مجرد تمويه للأعطاب الحقيقية لمجال الصحة، إذا كانت الوزارة تزعم أن الأطباء لا يتوجهون للمناطق النائية في إطار التوظيف، أتساءل مع السيد الوزير كم هي عدد المناصب التي فتحها هذه السنة، 15 منصب؟ هل هذا الرقم سيحل مشكل الموارد البشرية؟ أين وعد 5000 طبيب في السنة؟ إن المشاكل المتراكمة في المجال لن يحله مجرد إجبار الطلبة على الخدمة الإجبارية لأن الوزارة تتجه إلى القطع مع التوظيف في القطاع العمومي، وتفويت القطاع إلى الخواص وهي استراتيجية محكمة تتماشى ورغبة الدولة في التخلي عن القطاعات غير المنتجة”.
وعود لم تتحقق.. الوزارة تغير خططها
في وثيقة رسمية، ضمن الإستراتيجية القطاعية للصحية في صفحته 86 التي أطلقت سنة 2012، قالت وزارة الصحة إن سنة 2014 و2015 ستعرف تخصيص مناصب مالية تصل إلى 4900 منصب مالي للأطباء والممرضين، وسنة 2016 ستعرف تشغيل 5000 طبيب وممرض وستحتاج الدولة كل سنة 500 منصب إضافي من الإداريين والصيادلة والتقنيين، غير الرقم لم يتحقق منه الشيء الكثير، بل على النقيض من ذلك، تعتزم الوزارة تمرير “قانون الخدمة الإجبارية” الذي سينهي مع التوظيف في القطاع العام في غضون السنوات القليلة المقبلة، حسب ما ورد فيه من مواد، ولم يكن ذات القانون مطروحا في الإستراتيجية القطاعية بشكل واضح.
وعبرت حركة “أنفاس الديمقراطية” عن تخوفها من القانون الجديد الذي قالت عنه إنه تطبيق حرفي ”لإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في ما يخص القطاع العام، وتضيف “كل هذا يجعلنا أمام مشروع ينهي بصفة غير مباشرة التوظيف والإدماج في قطاع الصحة وتعويضه بنظام التعاقد في سابقة قد تعمم على باقي القطاعات وتعلن الإفلاس النهائي للقطاع العام بدل إصلاحه وتقدمه هدية مباشرة للقطاع الخاص وتجعل المواطنين رهينة به”.
العمل في ظروف “صعبة”
الحياة صعبة بالمناطق النائية، سواء بالنسبة للسكان الذين يعشون التهميش والأمية والفقر، أو بالنسبة للأطباء الذين لا تتوفر لهم البنية التحتية للإشتغال في ظروف أحسن، ورغم وجود مستوصفات صغيرة بالمناطق النائية لكنها تعجز عن تقديم الخدمة المطلوبة، ويضطر معها الأطر الصحية إلى إرسال مرضى الهامش إلى المدن الكبرى للعلاج، يصبحون حسب تصريحاتهم مجرد محرري أوراق علاج، لا يقدمون أي شيء في غياب المعدات البيوطبية والتجهيزات الضرورية لذا فأغلبهم لا يعمل أو يرفض الإلتحاق. وإذا كان حجم الخصاص يفرض نفسه، فإن النقص الحاد في التجهيزات البيوطبية يعد مشكلا حقيقا.
ويقول الطلبة الأطباء في هذا الصدد، كان على الوزراة أن تضع نصب أعينها توفير الحد الأدنى من الخدمات بكافة المناطق، وأن مشاكل قطاع الصحة لن يكون أبدا هو إرسال طبيب بوزرة وقلم إلى منطقة معزولة من أجل تدوين ذلك في السجلات والتقارير المقدمة إلى البنك الدولي والهيآت المانحة.
للرّد على ما تصفه الوزارة ”بادعاءات الطلبة المحتجين” خصصت الدولة حولي مليار سنتم لشراء معدات بيوطبية الباهضة الثمن، وعلى خلفية ذلك سيتم تخفيض ثمن ألف نوع من المعدات قبل مطلع 2016 وسيتم تزويد كل المستشفيات الإقليمية بجميع الجهات بعدد من المعدات والأجهزة حسب ما صرح به الحسين الوردي وزير الصحة.
نكبة المعدّات البيوطبية
رأي الطلبة الأطباء ربما يعكسه حجم الخصاص في المعدات والأجهزة. بعض الأرقام التي حصلنا عليها، تؤكد ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، فأكثر من 33 مليون مغربي، يستفيدون من 374 مختبرا للتحليل فقط، يوجد منها مختبر واحد في منطقة الصحراء بكاملها، ونجد 163 جهازا للتشخيص بالأشعة في جميع المستشفيات العمومية بالمغرب، و44 وحدة من جهاز السكانير، ينعدم بمنطقة الشاوية ورديغة وواد الذهب الكويرة، مقابل جهاز سكانير واحد بمطقة دكالة عبدة والغرب الشراردة بني حسن و3 أجهزة بمنطقة الصحراء، ومراكش تانسيف الحوز، وبمكناس تافلالت، و2 فقط بدرعة تافيلالت وبتازة والحسمة ومنطقة أزيلال. فيما يوجد بالمغرب 52 جهازا لتشخيص سرطان الثدي فقط في المستشفيات العمومية.
في هذا السياق خرج المكتب الجهوي الرباط سلا تمارة التابع للجامعة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل لكشف مؤخرا في بيان له أن أحد المستشفيات الكبرى بالرباط، يعاني خصاصا مهولا في مجموعة من الآلات والمعدات الطبية ذات الأولوية القصوى لخدمة المرضى في العديد من المصالح، ويعيش وضعا كارثيا، وقد توقف فيه قاعة العمليات الجراحية المركزية مند 60 يوما عن العمل·
شح في الميزانية وأطباء أمام جشع الخواص
تصل ميزانية الصحة وفق القانون المالي لسنة 2015، إلى 13 مليارا و96 مليون درهم، ورغم الزيادة الطفيفة عن ميزانية 2014، إلا أن الرقم لا يتجاوز 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو أقل معدل يمكن تسجيله فيما تصرفه الدول 194 الأعضاء على القطاع.
ويصرف المغرب مثلا، نصف ما تصرفه تونس، وسدس ما تصرفه الأردن، إذ صرفت الحكومة المغربية حولي 5,8 على قطاع الصحة سنة 2013، فيما صرفت الحكومة التونسية 10.4% من مداخليها، وتصرف الجزائر 10.6%، و11.6% في السنيغال، و%12.8 في تركيا، و%16.3 في الأردن، في الوقت الذي يصل المعدل الذي توصي به منظمة الصحة العالمية إلى 9% في الحد المتوسط.
ويعود سؤال تمويل المشروع الجديد الخاص بالخدمة الإجبارية ليطرح نفسه بحدة. من أين يمكن أن تضمن وزارة الصحة الموارد المالية لـحوالي 8 ألاف خريج كل سنة، في إطار التعويضات التي تحدثث عنها الوزارة وهي التي تشتكي شح الميزانية؟
تعويضات منتهية الصلاحية
أصبح رفع المناصب المالية في مباراة الإدماج في الطب العام هاجسا لدى الطلبة، خصوصا بل تأكد الفصل الثالث من قانون الخدمة الصحية الإجبارية على نظام التعاقد لمدة سنتين دون توظيف.
وزير الصحة أوضح خلال لقاء له مع الصحافة، أن الخريجين في إطار الخدمة الإجبارية ستصل تعويضاتهم لمدة سنتين نفس الأجر لباقي الأطر المدمجين في القطاع العام وسيحضون بامتيازات وعطل وتأمين عن المرض، غير أنه لم يكشف أثناء اللقاء عن مصير الخريجين بعد إنقضاء السنتين.
في هذا الصدد، تساءلت فاطمة الزهراء متمسك، “ما مصيرنا بعد انقضاء سنتين من الخدمة الإجبارية؟ فبعد سد الخصاص بتوظيف جميع الخريجين من الكليات الخمس بأجورهم كاملة، كيف يعقل أن تعيد الوزارة فتح مناصب جديدة لهم وهي التي تشتكي أصلا من ضعف مواردها المادية، ليكون الطبيب بذلك عرضة لجشع مالكي المصحات الخاصة أو وحش البطالة؟
علاء العيساوي عضو التنسيقية الوطنية للطلبة الأطباء، والذي شارك في الاحتجاجات الأخيرة، يعتقد في تصريحه لـ”لكم” أن مشروع الخدمة الإجبارية يحمل في طياته أهدافا غير بادية للعيان، تعتمد على إجبار الخريج على العمل لمدة سنتين ثم رميه بعد ذلك للمجهول، وكل ذلك، يقول العيساوي يتماشى وسياسة وزارة الصحة الرامية لفتح المجال أمام الاستثمار في قطاع الصحة وخوصصتة، لأجل ذلك كان لزاما عليها توفير اليد العاملة التي ستملأ هذا الخصاص الكبير بالقطاع الخاص وتجعل من الطبيب مستخدما لدى “مول الشكارة” بعد دفعه للبطالة. يقول العيساوي.
منحى متسارع في اتجاه الخصخصة
يتضح هذا المنحي بشكل جلي في إنخفاض عدد الأسرّة بالقطاع العام من حوالي حوالي 26 ألف سرير إلى 23 ألف سرير سنة 2013، في حين ارتفع عدد الأسرة بالقطاع الخاص من حولي ألفي سرير إلى ما يقارب 9 ألاف سرير، وكذا إرتفاع عدد أطباء القطاع الخاص مقابل نظرائهم بالقطاع العام، وتعلقا على ذلك بقول الدكتور عزيز الغالي ”نلاحظ بشكل واضح انخفاض مستمرا في عدد الأسرة لدى القطاع العام وارتفاعها لدى القطاع الخاص، مما يدل على توجه الدولة إلى خصخصة قطاع الصحة”، إضافة إلى ذلك، نجد أن جميع المرافق في المستشفيات العمومية تم تفويتها إلى شركات خاصة، من حراسة، إلى التغدية، وتدبير الأدوية.
هشام، طبيب (40 سنة)، كشف لـ”لكم” عن معطيات تهم سبب عدم إلتحاقه بعمله في قرية بأكدز جنوب شرق ورزازات، قائلا “لقد تم تعييني بمنطقة نائية، دون تحفيزات مادية، إني تخرجت ما يفوق 10 سنوات، وعملت سنة كاملة بقرية نائية، وقارنت نفسي مع طبيب تخرج معي في نفس الفوج ووجدت الفرق شاسعا، يمكن مثلا لطبيب عين في مدينة كبيرة أن يجني 5000 درهم لليوم الواحد في عيادته الخاصة، في المناطق النائية لا يمكن لطبيب أن يتجاوز 7000 درهم للشهر، لدى يجب تقديم تحفيزات مادية للأطر الطبية التي تعمل في المناطق النائية وإلا فإن الدولة تشجع الهروب إلى القطاع الخاص وتشجع الهروب من المناطق النائية”.
ولتجاوز هذه الإشكالات، يرى الإطار الصحي بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان محمد الغالي، أنه لابد من إعادة الاعتبار للقطاع عبر تقوية الجامعات والتكوين وعقد شراكات مع الدول، خاصة على مستوى تكوين الأطر الصحية والاكتفاء بمدة 5 سنوات وإعادة الاعتبار إلى التكوين، وأن تتحمل “مؤسسة الجهة” مسؤولية المساهمة المالية لتحفيز الأطباء في المناطق النائية، فإذا كانت الجهة تقدم تعويضات لأطباء بمنطقة تادلة أزيلال التي تعاني خصاصا مهولا على سبيل المثال، ستصبح المنطقة محط استقطاب للأطر الصحية وليس العكس، وعلى الدولة أن تضمن للأطباء مستقبلهم عبر تحفزيهم في إطار التوظيف في القطاع العام بدل العقدة.
مشروع الخدمة الإجبارية مجرد تمويه لإعطاب الصحّة
كريم إسكلا إعلامي وفاعل جمعوي بمنطقة بومالن دادس بإقليم تنغير، يعتبر أن مشكل الصحة بمختلف المناطق المترامية من جهة درعة تافيلالت، ليس هو توفر البنايات أو بعض التجهيزات والأدوية، وليس حتى في العنصر البشري، بل في السياسة الصحية للدولة خاصة في هذه المناطق، فإذا توفرت البنايات غابت التجهيزات المختصة في أمراض معينة، وإن توفرت التجهيزات غابت الموارد البشرية المتخصصة، وإن توفرت الموارد البشرية المتخصصة غابت ظروف عمل تليق بحساسية المهنة.
ويرى إسكلا القاطن بمنطقة معزولة أن طرح الوزارة لمشروع الخدمة الاجبارية بالمناطق النائية اعتراف ضمني بفشلها في ما ترفعه من شعارات فك العزلة ومحاربة الهشاشة، فلو حسنت الدولة من مستوى عيش تلك المناطق وخلقت جوا للحياة الكريمة لساكنتها لأصبحت تلك المناطق أماكن استقطاب وليس أماكن يتمنى أهلها الخروج منها. فقد أصبحت تلك المناطق منافي للموظفين الجدد والموظفين المغضوب عليهم.
قوس مفتوح على مستقبل مهنة الطب
إن ما يتضح لحدود الساعة في مشروع القانون، وحسب تصريحات المتتبعين ومقارنتها بما تطمح إليه وزارة الوردي، وفي ظل شح المناصب المالية، وضعف تمويل قطاع الصحة، ستكون الوزراة مرغمة كل سنتين على التخلص من الجيل السابق من أجل إرسال الخريجين الجدد، لأنها غير قادرة على ضمان تعويضات دائمة للأطر الصحية القديمة والجديدة.
وإن التعقيدات التي تفرضها الوزارة لدى مهني القطاع، ستؤثر علىت مستقبل دراسة الطب. فـ ”إذا إفترضنا مثلا أن الخدمة الإجبارية ستحل المشكل اليوم، فإنها حتما ستدمر قطاع الصحة بشكل تدريجي في المستقبل، لأن عدد من الطبلة سيهجرون دراسة الطب بالبلاد، أو سيدرسونها بالخارج” وسيفتح الباب أمام المستثمرين الخواص، خاصة من دول الخليج الذين يتعتزمون فتح مراكز صحية خاصة كبرى بالمغرب في إطار ما يسمى بالسياحة الصحية، يقول الدكتور عزيز الغالي عضو قيادي بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان.