تحقيق- الحوز وقلعة السراغنة وشيشاوة.. فتيات يواجهن شقاوة الحياة والتمييز ويتحولن إلى وجبة للنهش

 تحقيق- الحوز وقلعة السراغنة وشيشاوة.. فتيات يواجهن شقاوة الحياة والتمييز ويتحولن إلى وجبة للنهش

ينشر موقع “الجهة24” هذا التحقيق الذي أنجز من طرف هشام حذيفة لموقع “الناس” الناطق بالفرنسية، وترجمه موقع “هوامش” بالاتفاق مع الناشرين وبين المؤسسات الإعلامية

الجزء الأول-

على الطريق الرابطة بين مراكش وتارودانت تقع الجماعة الترابية لـ “إجوكاك”، وهي جماعة تنتمي إداريا إلى قيادة “تْلاتْ نْ يْعقوب”، في دائرة أَسْني، وعلى جنوبها تقع جماعة “أغْبَار”، المنتمية إلى نفس القيادة. في هذا المركز القروي البعيد عن الطريق الوطنية، والذي يتم الولوج إليه بواسطة مسلك وعر، غادر عدد كبير من الأطفال مقاعد الدراسة في نهاية السلك الابتدائي. نورة، المنحذرة من نفس الدوار، والتي يبلغ سنها اليوم 18 سنة، اضطرت إلى الاشتغال كخادمة في مدينة مراكش، منذ أن كان عمرها 13 سنة. 

تقول نورة لقد “تعرضت للضرب والسب لأن مشغلي كان يعتقد أني لم أكن أنجز الأشغال المنزلية كما ينبغي. كانوا يحرمونني من النوم. كنت أبكي كلما شاهدت فتيات من عمري يتجهن نحو المدرسة.. لست الوحيدة، فالعديد من فتيات قريتي يشتغلن كخادمات في المدن الكبرى كالدار البيضاء.”

تعرضت للضرب والسب لأن مشغلي كان يعتقد أني لم أكن أنجز الأشغال المنزلية كما ينبغي. كانوا يحرمونني من النوم. كنت أبكي كلما شاهدت فتيات من عمري يتجهن نحو المدرسة.. لست الوحيدة، فالعديد من فتيات قريتي يشتغلن كخادمات في المدن الكبرى كالدار البيضاء.”

نورة

بعيدا عن المركز القروي، تعيش نورة، في دوار طيني صغير محاط بالحجر. ويكشف قلب هذه المنازل التقليدية عن عزلة كبيرة تعيشها الساكنة الجبلية. للخروج من الدوار المعزول، ينبغي لنورة أن تقطع مسافة سبع كيلومترات. خلال فصل الشتاء يصبح هذا الطريق غير صالح للعبور، خصوصا أثناء تساقط الثلوج. وغالبا ما تكون وسائل النقل شبه منعدمة، وينبغي الحذر دائما من تساقط الحجارة التي يمكن أن تكون قاتلة. في “أغْبار” كلما تقدم المرء في الدراسة، كلما زادت المسافة بين المنازل والمؤسسات التعليمية.

قابلنا إبراهيم الذي يترأس جمعية تيفاوين (الأضواء بالأمازيغية)، وهو فاعل جمعوي شاب يناضل لأجل إعادة إدماج فتيات دواوير وِيدْرانْ، إمليل ومْكَايَات وهي الدواوير الأكثر عزلة في المنطقة. كان إبراهيم  أول شخص  من القرية ينال شهادة الباكالوريا، وذلك سنة 2017 بعد مسار دراسي بمدينة مراكش، قرر أن يعود إلى مسقط رأسه بهدف “تقديم خدمة لمجتمعه ولشباب المنطقة”. 

قال لنا إبراهيم إن “هذه المنطقة تعاني من العزلة، وتواجه معضلة ارتفاع الهدر المدرسي، إننا نعيش مشاكل أخرى أيضا من قبيل غياب الأطباء في مستوصف أغبار، القرية التي تحتضن بين 600 و700 نسمة. العديد من أطفالنا لم يحصلوا على التلقيح الضروري” يضيف إبراهيم. 

نظم إبراهيم العديد من الأنشطة التحسيسية لفائدة الآباء والفتيات بتعاون مع شباب آخرين من المنطقة. وينظمون باستمرار مهرجانا سنويا للطفل القروي.

يقول إبراهيم بفخر وحماس إنه “بفضل هذا العمل وبمساعدة من ‘جمعية إنصاف’، استطاعت العديد من فتيات القرية العودة لفصول الدراسة. نستطيع أن نفتخر بهذا الإنجاز، لا سيما في 2021 حين استطاعت أول فتاة من أغبار الحصول على شهادة الباكالوريا، يتعلق الأمر بفاطمة أيت بوزلي، وبلا شك ستكون قدوة للفتيات الأخريات في المنطقة“.

 في هذه المنطقة التي تعيش العزلة والبعد، اشتغلت “جمعية إنصاف” في السنوات الأخيرة من أجل مكافحة الهدر المدرسي في صفوف الفتيات. كل يوم أحد، تقطع نورة وليلى وفتيات أخريات من أغبار، 7 كيلومتراتمشيا على الأقدام،  ثم 54 كيلومترا على متن وسيلة نقل لبلوغ منطقة إجوكاك، حيث تتواجد “دار إنصاف”، مأوى الفتيات الذي أسسته جمعية إنصاف.

فتيات “مُعَارات” …

بدورها، تعاني منطقة قلعة السراغنة ظاهرة تشغيل الأطفال وزواج القاصرات. يتكون هذا الإقليم من 219 جماعة، 197 منها قروية تعاني  من الأمية والهدر المدرسي. 

وتشتهر قلعة السراغنة، التي لا تبعد عن مراكش  سوى بعشرين كيلومترا، منذ سنوات الثمانينات بهجرة الشباب، خصوصا في اتجاه إيطاليا وإسبانيا. وهو نفس الواقع في مدن متوسطة مثل الفقيه بنصالح، وادي زم وبني ملال…  وتصدرت المنطقة أيضا أخبار وسائل الإعلام سنة 2014، عندما كشف النسيج الجمعوي عن وجود ما يعرف بـ”زواج الكونترا”، وهو زواج يتم بموجبه وضع فتيات قاصرات كـ”رهائن” لدى أشخاص، أغلبهم مغاربة قاطنين بالخارج، مقابل دين قد يبلغ عشرات الآلاف من الدراهم، وهي ظاهرة مستمرة إلى حدود اليوم. 

تقول الطالبة الجامعية إلهام المنحدرة من دوار “بنعمار” في منطقة ”جبايل” نواحي قلعة السراغنة،  إنها عاشت أيضا تجربة العمل المنزلي. “كبرنا مع فكرة أن الفتاة لا يمكنها متابعة الدراسة  بعد المستوى الإبتدائي، بل ينبغي لها بشكل إجباري أن تتزوج، أو أن تعثر على عمل لدى أثرياء مراكش أو الدار البيضاء. الذكور فقط هم من يحق لهم متابعة دراستهم ومغادرة القرية. خاصة في ظل غياب  وسائل النقل بين دوارنا وقلعة السراغنة“. 

إلهام وسعاد هما اللتان فتحتا الطريق لفتيات ”جبايل” الأخريات لتجاوز مستوى التعليم الإبتدائي بالحصول على شهادة الباكالوريا ومتابعة الدراسة الجامعية. “إن دور الطالبات، بالنسبة للآباء، مجرد أماكن  مشبوهة، مفتوحة في وجه الذكور. وهو طبعا أمر خاطئ. وبتمكننا من تجاوز المستوى الإعدادي والثانوي ونحن نقطن في دار الطالبة، أصبحنا قدوة لفتيات الدوار“، تقول إلهام.

كبرنا مع فكرة أن الفتاة لا يمكنها متابعة الدراسة  بعد المستوى الإبتدائي، بل ينبغي لها بشكل إجباري أن تتزوج، أو أن تعثر على عمل لدى أثرياء مراكش أو الدار البيضاء. الذكور فقط هم من يحق لهم متابعة دراستهم ومغادرة القرية. خاصة في ظل غياب  وسائل النقل بين دوارنا وقلعة السراغنة

إلهام

إذا كانت إرادة إلهام وسعاد مسألة أساسية وحاسمة في مواصلتهما للدراسة، فإن دور المجتمع المدني كان مهما أيضا. “عمر والأعضاء الآخرين في جمعية إنصاف قصدوا عائلاتنا وأقنعوها بأهمية الدراسة. وساعدونا بمنح وشراء الأدوات المدرسية، إلى أن حصلنا على شهادة الباكالوريا. إن وجود مثل هؤلاء الأشخاص شكل حافزا كبيرا لنا”. ما ساعد أيضا هؤلاء الفتيات هو وجود رجال تعليم من معدن محمد بوشحمة، الذي كان  يتتبع مسار التلميذات، ويقابل أباء وأولياء أمورهن كلما تغيبن عن الفصل، كما كان يقوم  بكل ما في وسعه من أجل إعادة المنقطعات منهن إلى مقاعد الدراسة. في حديثه معنا، يقول بوشحمة أنه  يعمل بتعاون مع جمعية إنصاف من أجل تحديد المرشحات المحتملات من أجل التتبع، وأيضا لمكافحة الهدر المدرسي. ويضيف “إنهن  تلميذات تتبعت مسارهن بعد المستوى الابتدائي والإعدادي والثانوي. هذا العمل مهم جدا في المناطق المهمشة والمعزولة مثل منطقتنا“.  

 تم تغيير أسماء بعض الأشخاص الذين قدموا شهاداتهم في التحقيق

هيئة التحرير

أخبار ذات صلة

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة الجهة24 لتصلك آخر الأخبار يوميا