تحقيق استقصائي: مياه الشرب في اليوسفية “مسممة” بمادة الفليور والـOCP أغرق ساحل آسفي بنفايات مسرطنة

 تحقيق استقصائي: مياه الشرب في اليوسفية “مسممة” بمادة الفليور والـOCP أغرق ساحل آسفي بنفايات مسرطنة

تحقيق انتج بتعاون مع فريق التحقيق الصحافي لفرنس تيلفزيون

بدأت رحلة هذا التحقيق منذ مارس 2020، قبل أن تتضخم احتجاجات سكان مدينة اليوسفية احتجاجا على جودة الماء الصالح للشرب. هؤلاء السكان في مدينة “لويس جانتي” مكتشف الفوسفاط الأول بالمغرب يُعرفون بكون أنَّ الغالبية الساحقة منهم تتوفر على أسنان ذات لون أصفر، فيما توجد تشوهات خلقية على مستوى قطيع الحيوانات والمواشي في المناطق المحيطة تحديدًا بالمركبات الصناعية التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، سواء تلك التي في محيط مدينة اليوسفية أو آسفي والجرف الأصفر، وخصوصا من يستعملون مياه الآبار في الشرب.

من أين يأتي كل هذا؟ وما سببه تحديدا؟ ومالذي جعل مياه اليوسفية تبدو ملوثة وتكتسي لونًا أقرب إلى البُني؟ وما علاقة ذلك بمناجم الفوسفاط ومركبات مكتب الفوسفاط؟ هذه عينة من الأسئلة ظلت عالقة، فيما ينفي المكتب الشريف للفوسفاط أي علاقة ذات صلة بموضوع منشآته الصناعية والانبعاثات والنفايات الصادرة عنه من خلال مجموعة من الردود التي بعثها المكتب الشريف للفوسفاط لفريق بحث من منظمات سويسرية كانَ قد أجرى دراسة ميدانية حول ظروف اشتغاله بكل من آسفي والجرف الأصفر واليوسفية سنة 2019.

في الآونة الأخيرة، خرجَ سكان مدينة اليوسفية للاحتجاج بعدمَا أكتشفوا أنَّ مياه الشرب أصبحت تكتسي لونًا أقرب إلى البُني وذا رائحة كريهة، فيما يقول مسؤولو المكتب الوطني للماء الصالح للشرب إن مياه الشرب في مدينة اليوسفية صالحة للشرب وخضعت لجميع الاختبارات المخبرية.

لغز المياه الملوثة

في تصريح لموقع “لكم”، قال المدير الجهوي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ، إن جودة المياه المعالجة والموزعة بمدينة اليوسفية تستجيب لمعايير الجودة المعمول بها وطنيا وبالتالي فإنها مياه صالحة للشرب، وحاور موقع “لكم” كبار مسؤولي الجودة داخل المكتب الوطني للماء بهدف تفكيك “لغز المياه الملوثة”.

كلما تعمق التحقيق، بدأ اللغز يكبر تدريجيًا، واستنادًا إلى دراسة علمية أجريت سنة 2004 أكدت معطيات أساسية كانت هي أول خيط رئيسي في هذا التحقيق، تقول الدراسة التي أنجزها باحثون من كلية العلوم بالجديدة، وكلية العلوم بمراكش حول “معالجة النفايات الصناعية السائلة المفولرة” أيَّ التي تحتوي مادة “الفليور” إن مستوى الفلور في الفوسفاط المغربي يتراوح بين 2.5 و 4.5 في المائة من الكتلة الكلية.

وخلصت الدراسة، التي كان هدفها بحث سبل التخلص النهائي وإزالة الفليور من التصريفات الصناعية للفوسفاط، إلى أن العملية التي يجريها المكتب الشريف للفوسفاط لمعالجة “الفوسفاط” والتي تستخدمها شركة”روني بولنيك” (..) للكمياء والأدوية، وتُستخدم في موقع “ماروك فوسفور 3″ و”ماروك فوسفور4” غايتها “التبخير عن فراغ” للحمض المخفف أثناء معالجة الفوسفات بحمض الكبريتيك المُركز.

وأشارت الدراسة إلى أن التصريف النهائي الذي يتم تصريفه في الساحل، نتيجة للعملية المذكورة يتم دون أي معالجة للنفايات السائلة مما يمثل مخاطر محتملة على البيئة المحيطة ويمكن أن يؤثر التسمم بالفلورايد على كل من البشر والنباتات والحيوانات في المنطقة.

اليوسفية.. التسمم بالفلور

تقع مدينة اليوسفية وسط المغرب، وتبعد عن مدينة الدار البيضاء بـ230 كم، وعن مدينة مراكش بـ 80 كلم إلى الشمال الغربي ويبلغ عدد سكانها حوالي 60 ألف نسمة (إحصاء 2014) ينتمون في معظمهم إلى قبائل “أحمر” المنتسبة إلى قبائل عربية مشرقية باليمن (بني معقل). وتُعتبر مدينة فوسفاطية بامتياز تشتهر باستخراج الفوسفاط منذ الثلاثينات من القرن 20 حيث يبلغ إنتاجها 33% من الإنتاج المغربي من هذه المادة.

وفي مقابل ذلك، وأثناء التقصي الذي أجراه موقع “لكم” منذ شهر مارس 2020 إلى حدود أبريل 2021، حصلنا على دراسة أخرى تتعلق ببحث علمي حول المياه الجوفية لمدينة اليوسفية، وكانت ضمن أخر الدراسات العلمية، التي أنجزها فريق من الباحثين بكليات مغربية، تتناول موضوعات حساسة، هذه الدراسة التي تؤكد بشكل جازم أنَّ اليوسفية مدينة “مفولرة” أيَّ أن فرشتها المائية تحتوي كميات مهمة من مادة “الفليور”.

الدراسة، ورغمَ أنها تطرقت فقط للمواقع القروية حيث توجد الآبار وبعض مناجم الفوسفاط، كشفت أنَّ تركيز مادة “الفليور” في كل لتر من المياه يبلغ أزيد من 0.1 ملغرام، خلافا لمعايير منظمة الصحة العالمية التي تعتبر أيَّ زيادة عن هذا الرقم، يُعد تسممًا للمياه، وجرى إيجاد ذلك من خلال أخذ عينات من المياه الجوفية للمنطقة ومن بعض الآبار، وهي المياه التي تُعتبر من ضمن أهم مصادر المياه للسكان في مدينة اليوسفية (خرجوا للاحتجاج أكثر من مرة بسبب الاشتباه في تلوث مياه الشرب وتغير لونها).

الدراسة التي أنجزها أربعة باحثين من كلية العلوم بالجديدة تعود لعام 2004، وقام موقع “لكم” بنقل تفاصيل هذه الدراسة إلى مدير مراقبة جودة المياه بالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب عبد الله بلحاج، وكشفَ المسؤول لموقع “لكم” أن هذه الدراسة تُعد قديمة جدًا مقارنة، بما وصل إليه المكتب الوطني للماء، بعدما أجرى تحليلات واختبارات لجودة المياه، وبينت أنها نظيفة وخالية من أي مواد مضرة، وهوَ التصريح الذي دفعنا لمطالبة مدير مراقبة وجودة المياه بالمكتب الوطني للماء، باطلاعنا من خلال المختبر عن كيفية تحليل المياه عادة، ولمعرفة العناصر المحددة خلال هذه العملية في تحليل المياه.

وتشير التفاصيل (بعد التصريح والمعاينة) إلى أنَّ جميع الاختبارات الأخيرة لجودة المياه في مدينة اليوسفية، لم تركز نهائيا عن مادة “الفليور” وجرى تجاهلها تمامًا ولم يتم البحث عنها داخل المياه من أصله، وفي مقابل ذلك يجري قياس مواد أخرى كالبكتريات وتركيز ملوحة المياه.

ويقول مسؤول المراقبة وجودة المياه لموقع “لكم” عندما سُئل عما إذا كان المكتب يتوفر على نتائج اختبارات مخبرية تؤكد أن تركيز مادة الفليور في مياه اليوسفية يحترم المعايير المعمول بها، وبعد بحث، أكد لموقع “لكم” أنَّ اختبارات مادة الفليور لم يجري إنجازها في المرحلة الحالية، دونَ تقديم المزيد من التفاصيل.

ولكن نفس مسؤول الجودة والمراقبة بالمكتب الوطني للماء، أكد أن تركيز مادة الفليور في مياه اليوسفية لا يتعدى 1.5 ملغرام في اللتر وكشفَ أنَّ وزارة الصحة في خضم الاحتجاجات التي شهدتها مدينة اليوسفية على جودة المياه، قامت بأخذ عينات جديدة للمياه من شبكة التوزيع باليوسفية، وأخضعتها للفحص المخبري، مشيرًا إلى أن عملية الفحص شملت أيضًا مادة “الفليور” ، وعندما ألح موقع “لكم” على الإطلاع على نتائج تقرير “الفليور” المخبري الذي توصلت به مصالح المكتب الوطني للماء، وكانت النتيجة، بعد بحث المسؤول المكلف أن “نتائج الفليورغير موجودة”.

واسترسل مدير الجودة بالمكتب الوطني للماء قائلا “إن التحاليل الموجودة بين يدي تضم تحاليل البكتيرية وتحاليل فيزوكمائية، وتضم التحاليل التي أجرتها مصالح وزارة الصحة بدون علم من المكتب الوطني للماء تشخيصا للعناصر التي قال إنها “كانت سبب الاحتجاجات” بعدما أحتجَ المواطنون في اليوسفية على رائحة المياه ولونها ومذاقها ويتعلق الأمر بحسب المسؤول بـ”عناصر الكلوريد والسلفات والصوديم”.

اختبارات مخبرية لجودة مياه اليوسفية

في خضم هذا الجدل الدائر حول جودة المياه في اليوسفية، وعلاقتها بالفليور، أجرى موقع “لكم” في مارس 2020 اختبارا للمياه التي يشربها سكان المدينة.

انتقل موقع “لكم” إلى حي الداخلة في اليوسفية، وهو حي شعبي بامتياز، ويتبين من أزقته مظاهر الفقر وضعف التنمية والهشاشة، وغياب المرافق العمومية والثقافية والصحية، وتُطل إحدى هضبات الحي على منشأة تكليس الفوسفاط تابعة للمكتب الشريف للفوسفاط وتبعد تقريبا بأقل من كيلومترين فقط عن الحي المذكور.

وصل موقع “لكم” إلى منزل إحدى الأسر بالحي المذكور، وهي أسرة تتكون من أب وطفل يبلغ من العمر 13 سنة (مهدي)، يقود الأب “تريبوتر” لنقل البضائع ويعيل ابنه في منزل متواضع تبلغ مساحته حوالي 30 متر مربع ولا يتعدى دخله في اليوم الجيد مابين 20 إلى 80 درهمًا وأحياننا يمضي أيام دونَ عمل بسبب الركود، بينما رحلت زوجته لمدينة أكادير للعمل في حقول الفرولة.

مهدي ذو 13 سنة، تهشمت أسنانه واكتست لونا أصفرا، وأكد أنه ازداد في نفس المنزل الذي يقطن فيه حاليًا، ويشرب كباقي سكان الحي من المياه التي تُزود من طرف المكتب الوطني للماء والكهرباء، بينما بدت أسنان الأب لا تقل تضررا عن أسنان الطفل مهدي.

وأجرى موقع “لكم” اختبارا لعينة من مياه صنبور المنزل الذي تقطن فيه العائلة ووضعها في قارورة أُحضرت خصيصا من إحدى المختبرات الدولية، وبينت نتائج التحاليل التي بعث بها المختبر بعد تحليلها لموقع “لكم” أنَّ مياه الشرب المأخوذة من الصنبور تحتوي كمية مهمة من مادة “الفليور”.

 تركيز مادة الفليور الذي وجد في مياه اليوسفية بمعدل 1.8 ملغرام في اللتر وفقًا للتحاليل المخبرية

ووفقا للنتائج المحصل عليها، فإن نسبة تركيز مادة الفليور في الماء بلغت 1.8 ملغرام في اللتر، وتم إجراء التحاليل ووفقًا لبرتوكول التحليل (ISO 10304-4:1997(fr) Dosage des anions dissous par chromatographie desions en phase liquide) وهي عملية تحديد أيونات الكلورات والكلوريد والكلوريت في المياه الملوثة.

ويعني تركيز مادة الفليور الذي وجد في مياه اليوسفية بمعدل 1.8 ملغرام في اللتر وفقًا للتحاليل المخبرية التي حصل عليها موقع “لكم”، أنها مياه مسممة أو “سيئة الجودة”، وفقًا لمرسوم عدد 01-1275 المؤرخ في 17 أكتوبر 2002 الصادر عن وزارة التجهيز والبيئة بالجريدة الرسمية عدد 5062 سنة 2002.

وفي تفاصيل المرسوم المذكور، الذي تناسب معاييره معايير منظمة الصحة العالمية، والمعايير الدولية أعتبر أنَّ جودة المياه “جيدة” أو “ممتازة” إذا كان تركيز الفلوريد أقل أو يساوي 1 مجم/ لتر و”متوسط” إذا كان بين 1 و 1.7 مجم / لترأو “سيئ” إذا كان أعلى من 1.7 مجم / لتر، وبخصوص مياه مدينة اليوسفية المحصل عليها من الصنبور، وهي المياه التي يوزعها المكتب الوطني للماء والكهرباء فقد حصل موقع “لكم” على ما معدله “1.8 مجم- لتر”.

وتقول منظمة الصحة العالمية إنَّ ابتلاع كمية زائدة من الفلوريد – غالبًا في مياه الشرب – يمكن أن يسبب تسممًا بالفلور يؤثر على الأسنان والعظام، فالكميات المعتدلة تؤدي إلى آثار سنية، لكن ابتلاع كميات كبيرة على المدى الطويل يمكن أن يؤدي إلى مشاكل هيكلية ربما تكون شديدة الآثاء.

وأضافَ المصدر: “وبشكل متناقض فإن تناول مستويات منخفضة من الفلوريد يساعد على الوقاية من تسوس الأسنان. ولذا فإن التحكم بجودة مياه الشرب أمر بالغا لأهمية في منع التسمم بالفلور. إن حالة التسمم بالفلور وتأثيرها على الناس تنجم عن التناول المفرط للفلوريد”.

الفوسفات والفليور في الجرف الأصفر

وعلاقة بالماشية والبشر، تسبب الفليور في تشوهات خلقية للقطيع من الأغنام التي ترعى في مناطق قروية بالقرب من منصة المكتب الشريف للفوسفات في الجرف الأصفر، وعلى سبيل المثال، قام باحث بيطري بالإضافة إلى باحثين من جامعة شعيب الدكالي بالجديدة، بإنجاز دراسة حول “الآثارالسلبية للمنطقة الصناعية على المياه الجوفية والثروة الحيوانية (حالة الجرفالأصفر)”.

وخلصت الدراسة إلى أن المنطقة موضوع “البحث- الجرف الأصفر” وهي المحور الصناعي الثاني في المغرب، تتوفر على مياه جوفية وتمثل الموارد المائية الوحيدة للغذاء اليومي للسكان القرويين ولري الماشية، وأظهرت نتائج التحليلات الفيزيائية والكيميائية للمياه أنَّ غالبية الآبار التي تم رصدها تتجاوز معايير منظمة الصحة العالمية المتعلقة بجودة المياه.

وأفادت الدراسة أن تركيز الفليور في الماء في هذه القرى يتراوح من 0.24 إلى 4.3 ملغم / لتر، والذي يبدو أنه سبب التسمم بالفلور السني الذي لوحظ في الماشية في هذه المنطقة، وأظهرت نتائج المسح الوبائي الذي تم إجراؤه على القطيع تلوثًا قويًا بالفلورايد الناتج، إلى حد كبير، من صناعات الفوسفات.

ووفقًا لخبراء فإنَّ التسمم بالفليور، يتميز بالعلامات السريرية التالية: تغير لون الأسنان، وترسب بقع بنية وسوداء على القواطع والأضراس، وتشوهات خلقية، وصعوبة في المضغ، وتتعدد الأصول المحتملة للتسمم بالفلورايد حيث يهيمن عليها المسببات الهيدروكلورية وهي التسمم بالفليور من أصل صناعي غذائي وتشكل صناعة الفوسفات وحمض الفوسفوريك والأسمدة الفوسفاتية واحتراق الفحم في جميع أنحاء العالم المصدر الرئيسي لتلوث الغلاف الجوي بالمشتقات المفلورة، ومن بين أبرز الخبرات التي نشرت حول تسمم الفليور، فإنَّ الأمر يتعلق بـ(Hydrofluorosis in water buffalo).

من المسؤول عن تسمم ساحل آسفي بالفليور؟

في الوقت الذي نفى فيه المكتب الشريف للفوسفاط مزاعم اتهامه بتلوث الساحل البحري لمدينة آسفي والجرف الصفر بعدمَا كشفت عينات مأخوذة من مياه البحر حيث موقع مصنع المكتب الشريف للفوسفاط في آسفي وجود كميات مهمة من مادة “اليورانيوم”، وهي العينات المخبرية التي أجريت من قبل ثلاث منظمات سويسرية، قال المكتب الشريف للفوسفاط إنَّ اليورانيوم مكون منتشر للغاية في جميع أنواع المواد، وأن قيمته الإشعاعية المسجلة أقل بعشر مرات من العتبات التي حددها الاتحاد الأوروبي وأقل بكثير من ذلك، مستشهدًا بنفايات المستشفيات باعتبارها تحتوي هذه المادة.

وقال المكتب الشريف للفوسفاط، في رده على السويسريين حصل موقع “لكم” على نسخة منه، إن الدراستين العلميتين اللتا استندت إليها المنظمات السويسرية “قديمة” ونُشرت عام 2013 حول خطر تلوث اليورانيوم، وإلى هنا يقول مكتب محاماة المكتب الشريف للفوسفاط: “مع ذلك ناقش موكلي هذه النقطة مع مؤلفي التقرير، مشددًا على أنه تم حذف هذه الجوانب بشكل محض دون نقل موقف OCP من هذا الموضوع”.

وثيقة تبين نتائج اختبار عينات أخذت من أنبوب مكتب الفوسفاط بآسفي.. النتيجة: 134 ملغرام من تركيز الفليور في اللتر

وقامَ موقع “لكم” في شهر فبراير من سنة 2020 بأخذ عينات مباشرة من أنبوب تصريف نفايات المكتب الشريف للفوسفاط في البحر، وأجريت التحاليل مخبرية على عينات من المياه التي أخذت في مختبر دولي في فرنسا، وكانت النتائج التي حصل عليها موقع “لكم” في شهر مارس من 2020، وفي ظل فراغ قانوني في المغرب، يُحدد معايير معينة حول تركيز المواد العضوية والبكتريات بخصوص التصريفات الصناعية في المغرب تتجاوز المعايير المحددة على الأقل في فرنسا بتسع مرات.


وحصل موقع “لكم” على نتائج مياه التصريف نفايات المكتب الشريف للفوسفاط في البحر، وتضم نسبة وجود مادة “الفليور” بتركيز 134 ملغرام في اللتر، وذلك يتجاوز تسع مرات المعايير المحددة قانونا مثلا في دولة فرنسا، حول وجود نسبة “الفليور” في التصريفات الصناعية، والتي لا يجب أن تتجاوز معدل تركيز 15 ملغرام في اللتر.

التصريفات الصناعية في سواحل المغرب..”فراغ قانوني”

في المغرب، تُحدد معايير وقيم تصريف النفايات الصناعية وفقًا لحدود معينة، فقط بالنسبة لقطاع إنتاج السكر والأسمنت والورق والنفايات المنزلية..وذلك وفقًا لوزارة الطاقة والمعادن والبيئة، وتعتبر الوزارة في تقرير لها، حصل موقع “لكم” على نسخة منه أن الموارد المائية للمغرب تُعتبر جد ضعيفة، وتقدر بنحو 22 مليار متر مكعب في السنة، أو ما يعادل 700 متر مكعب لكل نسمة/ في السنة.

وفي هذا السياق يعتبر التقرير أنَّ العتبة الحرجة للموارد المائية تشير إلى ظهور نقص وأزمة كامنة في الماء، يُعززها تدهور جودة المياه بسبب زيادة التلوث، وبهذه الغاية ومن أجل التغلب على هذه المشاكل، وضع المغرب ترسانة تشريعية وتنظيمية تتكون من القانون رقم 10-95 بشأن المياه التي تنص على بعض الأحكام التنظيمية للتصريفات السائلة.

وخلال رحلة التقصي التي أجراها موقع “لكم” تبينَ أن منتجي الأسمدة (المكتب الشريف للفوسفاط) والذي يوطن أكبر وحدتين صناعيتين على ساحل المغرب، لا تسري عليه هذه الأحكام، وتؤكد وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الطاقة والمعادن والبيئة، أن تحديد قيم الحد للتصريفات الصناعية بخصوص منتجي الأسمدة مازالت قيد التشاور فقط، وبتالي لا توجد قيم حد للتصريفات الصناعية، بينما كشفت التحاليل المخبرية التي أجراها موقع “لكم” على سبيل المثال، وجود نسبة ضخمة من مادة الفليور في الأنبوب الذي يرمي نفايات المصنع في البحر على ساحل آسفي، وبلغ تركيز مادة الفليور في المياه الصناعية كما أشرنا إليه أعلاه 134 ملغرام في اللتر، وهي نسبة جرى قياسها مقارنة، بالمعايير المحددة في فرنسا، حيث تبينَ أنها تزيد عن تسعة أضعاف ماهو مسموح به.


وعلاوة على ذلك، تدين وثيقة مشتركة صادرة عن لجان الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا وأفريقيا عام (2014) هذا “الفراغ القانوني” الناجم عن غياب “القيم الحدية للانبعاثات والتصريفات الصناعية” وجاءَ ذلك، بعدما قام فريق بحث دولي من الأمم المتحدة من لجنة EPE، بمراجعة الأداء البيئي للمغرب، وقدمَ تقريره للحكومة للتعليق عليه، كما قدمَ توصيات بهذا الشأن.

وتقول الوثيقة الصادرة عن لجان الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا وإفريقيا، إنَّ المغرب منذ 2003 صادق على ثلاثة قوانين بيئية مهمة، وهي قوانين حماية البيئة وتعزيزها، ومكافحة تلوث الهواء، وتقييم الأثر البيئي ومع ذلك،وعلى الرغم من التقدم المحرز، لا يزال الإطار القانوني البيئي غير مكتمل.

وجاءَ في الوثيقة ذاتها،أن المغرب لا يتوفر على قوانين تُحدد القيم المحددة للانبعاثات والتصريف الصناعية، وماتزال الحكومة تتفاوض مع الصناعات الأكثر تلويثًا لتحديد قيم الحد من الانبعاثات والتصريفات الصناعية، وأفادت اللجنة الأممية أنه بالنظر إلى الفراغ القانوني وغياب الضوابط، فإن الحد من التلوث الناتج عن الصناعة يعتمد بشكل أساسي على توافر التمويل في إطار برامج تقليل التلوث الصناعي أو على مبادرات المجمعات الصناعية لإقناع أعضائها بتبني ممارسات الإدارة البيئية الجيدة.

وتشير اللجنة الأممية في هذا الصدد، إلى أن المتطلبات البيئية من الناحية القانونية المتعلقة بالصناعة لا تتوافق مع الوضع الحالي كما جاء في (ظهير 1914 الخاص بالمؤسسات المصنفة) أو (قوانين الهواء والماء والنفايات)، ويتسبب هذا الفراغ القانوني في صورة ضبابية حول جودة المياه واستهلاكها، كما تبقى أيضًا مراقبة الامتثال للجودة محدودة للغاية.

وللتأكد من مدى تلوث التصريفات المتدفقة من طرف المكتب الشريف للفوسفاط في ساحل آسفي، قامَ موقع “لكم” بأخد عينات من “الوحل” الذي يتختر نتيجة تصريف نفايات المصنع في البحر، وتم الحصول على كميات كبيرة من الوحل من سطح أنبوب رمي النفايات (أنظر صورة الأنبوب أعلاه) مع احترام لبرتوكول رفع العينات، وكانت مرة أخرى النتيجة المحصل عليها، من طرف مختبر للكمياء مثيرة للذهول.


ووفقًا لنتائج المختبر المحصل عليها، فإنَّ نسبة تركيز مادة الفليور الموجودة في الوحل بلغت 8441 ملغرام في الكيلوغرام، وكانت هذه أعلى نسبة حصل عليها موقع “لكم” في جميع الاختبارات المتعلقة بالكشف عن مادة “الفليور” سواء المياه، أو الطحالب المحيطة بالموقع الصناعي للمكتب الشريف للفوسفاط في موقع آسفي، ويذل ذلك على وجود نسبة كبيرة من مادة “الفليور” في مخرج تسريب النفايات الصناعية للمكتب الشريف للفوسفاط.

هيئة التحرير

أخبار ذات صلة

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة الجهة24 لتصلك آخر الأخبار يوميا