تحقيق إخباري- رائحة السردين تخفي رائحة الحشيش: خبايا فضيحة تهريب كبرى تهز مصنع إنمير بآسفي
الجهة 24- آسفي
في صباح يوم خميس هادئ، كسرت الأخبار القادمة من مدينة آسفي سكون الأجواء. خبر عاجل نشره موقع “الجهة 24” عن عملية كبرى لتهريب المخدرات عبر ميناء الدار البيضاء لها ارتباط بمصنع سماد السردين مملوك لسعيد العلج صاحب مجموعة «إنمير» ويُديره نجله هشام العلج، الخبر الذي أشعل فضول الرأي العام. كان يحمل المفاجأة الأكبر التي كانت في مكان التفتيش: مصنع إنمير، المعروف بإنتاج البروتين ودقيق السمك له علاقة بشحنة المخدرات. لم يكن أحد يتخيل أن رائحة السردين ستخفي خلفها رائحة الحشيش.
بحلول الساعة الخامسة مساءً بعد نشر «الجهة24» للخبر المرتبط بمصنع إنمير آسفي، وبعد مرور حوالي 6 ساعات، حاصرت فرقة مكافحة العصابات المنظمة (La BAG) المصنع، مصحوبة بفرق الشرطة التقنية والعلمية وكلاب مدربة. كان الهدف واضحًا: البحث عن أدلة تربط المصنع بشحنة المخدرات وحجز سجلات الكاميرات DVR. فريق التحقيق لم يترك شيئًا للصدفة، فكل زاوية من المصنع كانت تحت المراقبة، خاصة المنطقة التي يُمنع على الكاميرات الوصول إليها.
العمال الغرباء
تبدأ خيوط القضية بالانكشاف مع شهادة شهود عيان لموقع «الجهة24». تحدثوا عن “عمال غامضين” قدموا من خارج المدينة، يلبسون أقنعة بحجة حماية أنفسهم من غبار السمك. هؤلاء العمال لم يكونوا عمالًا عاديين؛ فقد وصلوا بسيارة خاصة يوم الأحد 08 دجنبر ودخلوا المصنع من باب جانبي، متجنبين الأنظار كما يفعلون عادة.
الشحنة المشبوهة
لاحقًا تم تعبئة الشحنة المشبوهة بنفس الطريقة الغامضة. الغرباء يدخلون، يملؤون الأكياس، ثم ينسحبون بهدوء، تاركين عمال “إنمير” يكملون بقية العملية من خلال شحن الحاوية ونقلها داخل الشاحنة وقدم العمال الغرباء، مبلغ 300 درهم لعمال انمير، كعربون محبة على مساعدتهم واكمال نقل الشحنة التي يعتقد عمال المصنع أنها تحتوي سماد السردين. هذه الشحنة التي لم تخضع للمراقبة الكافية في المصنع كانت في طريقها إلى ميناء الدار البيضاء، حيث كان من المفترض أن تمر عبر جهاز السكانير الجمركي. وهي الملاحظة التي دونها المسؤول الجمركي داخل المصنع للتأشير على الشحنة، إلا أن ملاحظته بضرورة تفتيش الشحنة عبر السكانير المدرجة ضمن أوراق الشحنة لم تلفت انتباه سائق الشاحنة.
عندما وصلت الشاحنة إلى ميناء الدار البيضاء، يوم الجمعة 13 دجنبر كانت المفاجأة الكبرى. عند فحص الشحنة عبر السكانير ومن خلال الكلاب المدربة، كُشفت الحقيقة المروعة: المخدرات كانت مخبأة داخل الأكياس التي يُفترض أنها تحتوي على دقيق السمك. السائق، الذي مكث ليلة كاملة في آسفي بانتظار تعبئة الشحنة، لم يكن يعلم شيئًا حسب إفادته. وبحسب مصادر التحقيق، لم يطلع السائق على الأوراق المرفقة بالشحنة، بل سلمها بسذاجة للسلطات الجمركية.
التحقيقات الأولية قادت إلى شركة G.H.O SELECTION البلجيكية، التي بدا أن لها دورًا رئيسيًا في تنفيذ العملية. كشفت المصادر أن مسؤولة من الشركة هي من أشرفت على تنسيق العملية مع مصنع “إنمير”. وكانت هي من أوصت بإرسال العمال الغرباء ومنحتهم تعليمات واضحة لتجنب الكاميرات واتباع إجراءات سرية أثناء تعبئة الشحنة.
وبالبحث في خلفية الشركة، ظهر اسمان لافتان:
• سمير قريني، وهو شريك بارز في الشركة.
• ميشيل بيرغمانز، شريك بلجيكي يملك خبرة طويلة في التجارة الدولية.
اليوم، أصبح مصنع إنمير مركزًا للتحقيقات. كل موظف، كل كاميرا مراقبة، كل ورقة شحن تخضع للتدقيق. السؤال الأهم الذي يحاول المحققون الإجابة عنه هو:
“هل كان المصنع مجرد نقطة عبور بريئة، أم شريكًا متواطئًا في العملية؟”
بينما تتوالى التحقيقات، يبقى الغموض يكتنف مصير بعض الشخصيات الرئيسية، مثل مسؤولين من شركة G.H.O SELECTION، وربما إنمير غروب أيضًا. الجهات الأمنية تسابق الزمن لجمع الأدلة وذلك بتنسيق مع «الانتربول». في الوقت الذي لم تخرج منه عائلة العلج من الصدمة، جراء اعتقال نجل شكيب العلج رئيس اتحاد العام لمقاولات المغرب، في قضية هتك عرض محامية فرنسية، ظهر خيوط تورط أخيه سعيد لعلج صاحب شركة «غروب إنمير» لتصفير وسماد السمك.
ومن جانب آخر، أصدرت مجموعة “يونيـمر”، المدرجة في بورصة الدار البيضاء، بلاغًا رسميًا مساء أمس السبت 14 ديسمبر تعلن فيه عن موقفها من عملية حجز 3.6 أطنان من مخدر الشيرا بميناء الدار البيضاء. ووفق البلاغ الذي توصل موقع “الجهة24” بنسخة منه، أوضحت الشركة أن الشحنة المضبوطة كانت ضمن حاوية دقيق السمك تم تصديرها من طرف فرعها “يونيـمر بروتينز” نحو بلجيكا.
وأكدت المجموعة أنها تضع نفسها بالكامل رهن إشارة السلطات المختصة، وتدعم جهود التحقيق لتحديد الملابسات والأشخاص المتورطين في هذه القضية. كما شددت الشركة على أن صادراتها تتم وفق إجراءات تنظيمية صارمة، وأنها لم يسبق لها أن سجلت حوادث مشابهة طوال عقود من النشاط الصناعي والتصديري.
وفي نفس السياق، أبدت “يونيـمر” عزمها على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد أي جهة يثبت تورطها في هذا الحادث، حفاظًا على سمعتها كمجموعة صناعية رائدة في مجال الصيد البحري والتصنيع الغذائي، والتي تعتمد على 16 فرعًا صناعيًا وتُصدّر ما يزيد عن 1500 حاوية وشاحنة سنويًا نحو شركائها الدوليين.
والى ذلك، مازالت الصحف تتحدث، الشهود يتكلمون، والتحقيقات تتعمق. “من يقف خلف شحنة الظل؟” سؤال يتردد على كل لسان. هل ستصل القضية إلى قاعة المحكمة لتكشف أسرارها، أم ستُطوى في أدراج الملفات السرية؟ في كل الأحوال، ما حدث في مصنع “إنمير” بات يُعرف الآن بـ**“فضيحة آسفي”**، التي ستظل لفترة طويلة حديث الصحافة والرأي العام.