المغرب في حاجة لمخطط عاجل لمكافحة آثار الجفاف

 المغرب في حاجة لمخطط عاجل لمكافحة آثار الجفاف

الجفاف يخيم على بلادنا وهذا أمر لا يحتاج إلى برهان. فالسماء ترسل لنا يوميا إشارات في هذا الاتجاه، وتوقعات الأرصاد الجوية تؤكد ذلك. كما أن العلماء المهتمين بالمناخ يسجلون تطورا ملحوظا في الدورة المناخية بالمغرب، فبينما كنا نعرف سنة جفاف على رأس كل عشر سنوات، تراجعت هذه الوتيرة إلى سنة جفاف كل ثلاثة إلى أربع سنوات. إن هذا المعطى الهيكلي والموضوعي يفرض علينا مراجعة بعض الممارسات وإعادة النظر في العديد من السياسات العمومية المتصلة بالماء ونموذجنا للتنمية الفلاحية. نحن أمام مشكل خطير ينبغي التوقف عنده، مشكل يستحق أكثر من اجتماع للجان البرلمانية، ويتطلب نقاشا وطنيا حقيقيا يتجاوز الصراع وثنائية أغلبية/معارضة.

غير أنه الآن، وبالنظر للطابع الاستعجالي للظاهرة، يجب على الحكومة أن تخرج من انتظاريتها غير المبررة، لا لتقول لنا أنها “تتابع عن كثب تطور الوضعية”، ولكن لتتخذ تدابير وإجراءات ملموسة، وتقدم المساعدة اللازمة لأولئك الذين يعانون في صمت من العزلة، والذين يعانون في نوع من اللامبالاة، من آلام القانون الجهنمي للعرض والطلب، والذين يقفون حائرين، أمام جفاف منابع المياه، والنقص الحاد في المراعي لمواشيهم الهزيلة. ولمواجهة هذه الأوضاع، لا تحتاج الحكومة إلى ابتكار الحلول، فهي موجودة في رفوف الإدارة، حيث نجد ما لا يقل عن خمس مخططات مفصلة لمواجهة الجفاف سبق تطبيقها في الماضي.

ينبغي إذن الاستفادة منها مع إدخال بعض التغييرات حسب حاجيات الساكنة وحدة الظاهرة، كما أن هناك معلومات أخرى موجودة لدى الإدارة الترابية التي تتابع يوميا الوضعية في أدق تفاصيلها.

يتعلق الأمر إذن بضمان تزويد الساكنة بالماء الشروب سواء في العالم القروي أو العالم الحضري، وحماية الماشية بتوزيع مواد العلف إما مجانا أو بأسعار تفضيلية على الفلاحين، وخلق أنشطة مدرة للدخل لفائدة الساكنة القروية، وإعادة جدولة الديون المستحقة تجاه القرض الفلاحي… كل ذلك يجب أن يتم في شفافية تامة ودون أية محسوبية.

إنها مناسبة أيضا للوقوف على مستوى أجرأة مختلف الاستراتيجيات والمخططات الوطنية المتعلقة بتدبير الماء. والتي يعود آخرها إلى سنة 2020، حيث البرنامج الذي يغطي فترة 2020-2050. إذ يحتوي على كم هائل من المعلومات وينص على غلافات ميزانياتية دسمة. فالبرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب والري 2020-2027، يتوقع لوحده غلافا إجماليا يبلغ 115,4 مليار درهم خاص بتقوية العرض وتوجيه الطلب. على مستوى العرض، ينصب المجهود على مواصلة تشييد السدود الكبرى وإطلاق تشييد 20 وحدة جديدة، والعمل على معالجة مياه البحر مع بناء ثلاث محطات جديدة، وبناء سدود تلية. أما على مستوى الطلب، فيتعلق الأمر بمواصلة جهود الفاعلين في مجال توزيع الماء الشروب مع تحسين مردودية قنوات التوزيع في المدن والمراكز الحضرية، ومواصلة تحديث شبكات الري، والانتقال الجماعي نحو السقي المحوري، وإنجاز التهيئة الهيدروفلاحية للمناطق السقوية بمنطقة  سهل الغرب وسايس. بالإضافة إلى ذلك، هناك نقطة في غاية الأهمية، تتعلق بمعالجة المياه المستعملة لسقي 21 ملعبا للغولف، تلك الملاعب التي تحتاج إلى تقييم لمردوديتها الاقتصادية ونفعها الاجتماعي.

وأخيرا، تم التأكيد على مسألة التحسيس والتواصل تجاه العموم من أجل حثهم على تغيير سلوكهم. لا أحد يمكن أن يتصور ما هو أحسن؟!

وإذا كان هذا المخطط جيدا، دون أن يكون مثاليا ونموذجيا، لا يمكن إلا أن نأمل في أجرأته الفعلية وفي الموعد المحدد، مما لا يمنعنا من طرح إشكالية طالما تم إهمالها ولم تحظ أبدا بالاهتمام، ألا وهي إشكالية نموذجنا للتنمية الفلاحية في علاقته بالمسألة المائية. فحينما نعرف أن 85% من مواردنا المائية يتم استعمالها في القطاع الفلاحي، يحق لنا أن نتساءل عن جدوى هذا النموذج، وكذا أهداف سياستنا في مجال السدود في هذا السياق الجديد الذي يتميز بشح الموارد المائية. فالمنطق الذي كان سائدا في الستينات لم يعد صالحا اليوم وذلك على أكثر من مستوى. فبينما كانت مواردنا المائية تقدر ب 2500 متر مكعب للفرد الواحد في الستينات، لم تعد تتجاوز اليوم 500 متر مكعب. ومن المفيد أيضا التذكير بكون سياسة بناء السدود التي انطلقت في الستينات من القرن الماضي كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بسقي “مليون هكتار”، وهي أراضي توجد في “ملكية” كبار الفلاحين والذين ينتجون أساسا من أجل التصدير، ويتضح جليا أن النموذج الفلاحي المعتمد على التصدير كان قائما على المناطق السقوية. وهو ما يمكن التعبير عنه بعبارة أخرى؛ إن تصدير الموارد الفلاحية، يعني في نهاية المطاف تصدير مورد نادر في ملك عمومي، ألا وهو الماء، والذي توجد الساكنة في أمس الحاجة إليه.

إن مغرب اليوم قد تغير: نحن أمام أجيال جديدة، وحاجيات جديدة، ودستور جديد.. لسنا في وضعية المغرب كما حلله جون واتربوري Waterbury في كتابه أمير المؤمنين، حيث اعتمد نظرية العصبية، ولا ريمي ليفور Rémy Leveau في كتابه الفلاح المغربي المدافع عن العرش، حيث اعتبر الطابع القروي للمغرب بمثابة العامل المحدد. ومع كامل الأسف نرى كلا من مخطط المغرب الأخضر واستراتيجية “الجيل الأخضر” 2020-2030، الذي تلاه، بقيا سجينين لهذا التصور الماضوي ولم يستوعبا التحولات النوعية للهياكل السوسيوسياسية والسوسيواقتصادية لبلادنا.

هيئة التحرير

أخبار ذات صلة

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة الجهة24 لتصلك آخر الأخبار يوميا