(الزطاط) أو (أكبارْ) أو (لحْمِيَّة).. مهنة زمان في بلاد “السيبة” في مغرب القرن ال19..

بقلم: الدكتور شنفار عبد الله
في جولة بأزقة المدينة العتيقة بفاس العالمة؛ استوقفني شاب مفتول العضلات، وطويل القامة؛ فقال لي: “ياكما محتاج شي زْطَّاطْ أمعلم..!؟”
زعما يدير ليا عملية الخفر (Escorte) وحارس شخصي (garde-corps) ومرشد سياحي في نفس الوقت (guide) وفي نفس الوقت سيجمعني به عقد شغل أو عمل من أجل تقديم خدمة..!
لم استغرب الأمر؛ أنا ابن البادية؛ أعرف أن (الزطاط) مهنة زمان في بلاد “السيبة” في مغرب القرن ال19..
وهو يتبعني من الوراء؛ ردد عدة عبارات بتمغربيت بصوت مرتفع؛ أنا أحفظها عن ظهر قلب؛ فقال: (معك الغاشي أمْعَلَّمْ)؛ (الله يعز الشرفاء)؛ (البَرَّانِي مْخَطَّرْ في لبلاد أمْعَلَّمْ)..!
لم أعره أي اهتمام؛ مع أنني أعرف أنه إياي يعني!
يئس لما لم ألتفت إليه؛ لكن دفعني الفضول المعرفي لكي أكتشف هذه المهنة التي كان جدي رحمه الله يحدثني عنها؛ وينسج حولها الكثير من الأساطير والحكايات والخرافات البطولية؛ قررت أن أسمح له بمرافقتي..!
يقوم بعمله بدقة متناهية؛ فتح الطريق؛ تسهيل التنقل والمرور؛ (أبَالاكْ)؛ تسهيل عملية التواصل بيني وبين التاجر؛ فيه مؤسسة “سمسار” وهي حَنْطة قديمة أنتجها المغرب في مجال؛ التجارة والبيع والشراء والرهن والكراء…
لاحظت أنه يقوم مقامي في عملية التسوق والتبضع؛ وكأننا روحان حللنا جسدًا؛
الزطاط؛ يتميز بمعرفة وإلمام بقانون السوق والگُلْساتْ (الأصول التجارية) والعرض والطلب، وقوانين الاستئجار، وفن الحنْطة والحرفة، والقدرة على الحوار اللفظي وعلى الاقناع والمفاوضات التجارية (Négociations) وأخلاقيات النشاط التجاري.
وله دراية كذلك بطرق المساومة، وكذا عيوب ومحاسن وجودة السلع والبضائع والخدمات المعروضة في السوق..
لاحظت أن الجميع يعرفه ويهابه ويخافون منه؛ ولكي يغطي على ما يتميز به من عنف وقوة وشطط وتسلط وجبروت؛ كان الناس هم من يبادر يقرأون عليه السلام؛ فيردها عليهم ويسألهم عن الوالد أو الوالدة وأحيانًا عن الأولاد، ويعرفهم بالاسم.
ويبد أنه يسدي لهم خدمات معينة؛ فكثيرون ممن صادفنا في الطريق؛ يدعو له بطول العمر والدوام بقربه منهم زخراً وملاذًا..!
للإشارة؛ وهذه شهادة للتاربخ؛ فقد اكتفى بما سلمت له من نقود دون أن يطلع حتى على المبلغ؛ وضعه في جيبه وقال: “الله يخلف عليك.”
وحينما نتحدث عن أكَبارْ القافلة أو الزَّطَّاطْ أو الضُّمَّانْ أو الحُرَّاس؛ فإن الخيال يسافر بنا إلى شيء خارق للعادة؛ حيث الأمان وغياب الخوف؛ لأن هناك ضمانات وهناك أنت وطمأنينة وسكينة؛ وهناك زْطَاطَه أو عملية خفر على الطريق المحروسة بأمان واطمئنان في بلاد الله الآمنة التي كُتِبَ العِزُّ على أبوابها وليدخلوا إليها بسلام آمنين مطمئنين.
وهنا يستحضر الذهن سوسيولوجيا المكان: سطات أو زَطَّات التي جاءت من الزطاطة أو الخفر (Escorte) وتأمين القوافل والسفر والرحلات من قطاع الطرق في بلاد ما سمي: ” بلاد السيبة” حيث غياب سلطة المخزن في ذلك الزمان؛ من خلال تحقيق الأمن الذاتي للأفراد والجماعات وتأمين مرور القوافل التجارية وعابري السبيل