الداخلية تطلق مشاورات موسعة لإصلاح المنظومة الانتخابية قبل استحقاقات 2026 وسط غيابات بارزة ونقاشات حادة

الرباط –الجهة24
افتتح وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، نهاية الأسبوع، أولى جولات المشاورات السياسية مع الأحزاب، تنفيذًا للتوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش الأخير، في خطوة تؤسس لمسار جديد في التحضير للاستحقاقات التشريعية المقررة سنة 2026.
ودعا الوزير قادة الأحزاب وممثليها إلى مقر الوزارة بالرباط يوم السبت، حيث حضر غالبية الأمناء العامين أو من يمثلهم، باستثناء غيابات لافتة، أبرزها غياب رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، الذي ناب عنه كل من رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، ومصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة.
ورغم الطابع البروتوكولي للجولة الأولى، فإنها لم تخلُ من ملامح واضحة لإصلاحات مرتقبة في النظام الانتخابي، بهدف ترسيخ الشفافية وتكريس احترام الأجندة الدستورية، فيما تسعى وزارة الداخلية، بتنسيق مع الفرقاء السياسيين، إلى صياغة إطار قانوني واضح وتوافقي قبل نهاية العام، تمهيدًا لعرضه على البرلمان خلال دورة الخريف المقبلة.
غيابات ومواقف ورسائل سياسية
في مشهد لافت، ترأست فاطمة الزهراء المنصوري وفد حزب الأصالة والمعاصرة، مرفوقة بكل من سمير كودار، رئيس جهة مراكش آسفي، ومحمد الحموتي، المعروف بخبرته التقنية في المساطر الانتخابية. بينما حضر نزار بركة شخصيًا ممثلاً لحزب الاستقلال، في رسالة سياسية تعكس عزمه على لعب دور الوسيط بين حليفيه في الأغلبية، PAM وRNI، تحسبًا لأي خلاف انتخابي مرتقب.
وشهد اللقاء مشاهد إنسانية مؤثرة، حيث حضر أحد الأمناء العامين متكئًا على عكاز نتيجة تدهور وضعه الصحي، فيما أصر آخر، يخضع لحصص تصفية الكلى ثلاث مرات أسبوعيًا، على الحضور، تأكيدًا على التزامه السياسي رغم المرض. أما نبيلة منيب، فواجهت سوء فهم في التوقيت، لتصل إلى مقر الاجتماع بعد انتهائه، معتقدة أن الموعد هو في السابعة مساءً، بينما كان قد انطلق قبل ذلك بساعات.
محاور النقاش وإرهاصات الانقسام
تناولت النقاشات محاور محورية مثل مراجعة اللوائح الانتخابية، محاربة الفساد والممارسات المنحرفة، تعديل بعض القوانين التنظيمية، تعزيز تمثيلية النساء والشباب، التفكير في إحداث “لائحة للكفاءات”، وتحسين آليات التواصل والتمويل الانتخابي، وفق ما ذكرته صحيفة “الأخبار”.
ووسط تباين واضح في مواقف الأحزاب، طلبت وزارة الداخلية من الفرقاء تقديم مقترحات مكتوبة قبل نهاية غشت، تمهيدًا لجولة ثانية من النقاشات ستُعقد في شتنبر المقبل، بغية التوافق حول الصيغة النهائية للنصوص التشريعية.
وفي سياق موازٍ، عقد لفتيت اجتماعًا داخليًا مع الولاة والعمال بمدينة تطوان، يوم الجمعة الذي سبق لقاء الأحزاب، شدد فيه على أهمية الإشراف النزيه والشفاف على العملية الانتخابية، وضمان مشاركة واسعة، كمرتكز أساسي لإعادة الثقة في المسار الديمقراطي.
الرهان: مصالحة المغاربة مع السياسة
تسعى المؤسسة الملكية، من خلال هذه المشاورات، إلى ترسيخ مركزية الاقتراع في البناء الدستوري المغربي، واستعادة ثقة المواطنين في الأحزاب ومؤسسات الوساطة. ورأى عدد من المتتبعين أن اللحظة تحمل فرصة حقيقية لإعادة تأهيل الحياة السياسية، التي شابها في السنوات الأخيرة عزوف واسع وانتقادات متكررة.
لكن الرهان الأهم يبقى في مدى قدرة الأحزاب على تجديد خطابها، ومصالحة الشباب المغربي مع العمل السياسي، وتقديم نخب جديدة وأجوبة ملموسة عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
القطار انطلق، ومن المنتظر أن تصل “النسخة النهائية” للإصلاحات إلى البرلمان مع حلول الخريف، فيما سيكون ربيع 2026 هو لحظة الحسم، حيث ستبوح صناديق الاقتراع بالحقيقة: هل نجحت الطبقة السياسية في كسب رهان التغيير؟ أم أن الجرح السياسي لا يزال مفتوحًا؟