“البوناني في المغرب”.. جدل الاحتفالات يتجدد كل سنة وفقهاء يختارون طرح: “دعوا المغاربة يفرحون!”
ككل سنة، يتجدد الجدل مرة أخرى في المغرب، خلال هذه الأيام حول الاحتفال برأس السنة الميلادية.
ففي الوقت الذي يحتفل البعض بهذه المناسبة، ويعتبرونها فرصة لاجتماع أفراد الأسرة وفرح الصغار، يرى آخرون أنه “لا يجوز” الاحتفال بالسنة الميلادية كما لا يرون مبررا ليكون فاتح هذه السنة يوم عطلة بالنسبة للمغاربة.
فرصة للفرح
وفي الآونة الأخيرة أثار أحد المخابز جدلا واسعا بسبب إعلانه عدم بيع حلوى الميلاد بدعوى عدم الاحتفال بـ”أعياد النصارى”، وهي فكرة يتقاسمها بعض المغاربة بدعوى “عدم جواز” هذه الاحتفالات من الناحية الشرعية.
أما بالنسبة لرئيس المجلس العلمي المحلي بأزيلال، محمد حفيظ، فهو يرى أنه “لا بأس” في الاحتفال بهذه المناسبة، بالأشكال التي اعتادها المغاربة من قبيل اقتناء الحلوى واجتماع أفراد الأسرة.
ووفقا للمتحدث نفسه فإنه لا ضير ولا بأس في الاحتفال بحلول السنة الميلادية الجديدة، من منطلق اعتبارها مناسبة وفرصة لاجتماع أفراد الأسرة وفرحهم.
وفي الوقت الذي ‘يفتي’ البعض بعدم جواز الاحتفال بهذه المناسبة التي تخلد ذكرى ميلاد النبي عيسى، بدعوى أنها تخص “النصارى”، فإن حفيظ يقول “نحن المسلمون نؤمن بالرسل جميعا”.
وبينما تذهب بعض الآراء الرافضة للاحتفال برأس السنة الميلادية حد القول بـ”حرمة” ذلك، فإن المتحدث ينبه إلى أن “القول بحرمة الشيء ليس بالأمر الهين” وأنه “لا يجب الحديث عن الحرام والحلال هكذا” فالتحريم، وفق المتحدث نفسه “أمر صعب جدا ويُفترض أن يستند إلى نص قرآني”.
مخلفات الاستعمار
مظاهر احتفالية عديدة ترافق حلول السنة الميلادية الجديدة في المغرب، حيث ألف كثيرون الاحتفال بها باقتناء “حلوى الحطبة”، والهدايا بل وحتى “شجرة الميلاد”.
تعليقا على ذلك يقول أستاذ الدراسات الإسلامية، الدكتور محمد بولوز، إنه “لا يجوز للمسلمين الاحتفال وتبادل التهاني بمناسبة رأس السنة الميلادية”، معتبرا أن الاحتفال بهذه المناسبة “يتنافى مع عقيدة المسلمين وعقيدة المجتمع المغربي”.
“الاحتفال برأس السنة الميلادية وانتشار التهاني بمناسبتها هو من مخلفات الاستعمار الأجنبي للمغرب” يقول بولوز في تصريحه لـ”أصوات مغاربية”، والذي يرى في السياق نفسه أنه “لا معنى للعطلة الرسمية التي تمنحها الدولة للموظفين والتلاميذ في هذا اليوم” كونها “ليست من المناسبات لا الوطنية ولا الدينية”.
كما يتابع المتحدث تصريحه لـ”أصوات مغاربية” لافتا إلى أن “هناك باحثين بما فيهم نصارى يؤكدون أن الاحتفال برأس السنة بالشكل الذي يجري الآن يرجع لجذور وثنية قبل ميلاد المسيح عليه السلام ولا علاقة له بالمسيحية الحقة” على حد تعبيره.
من جهة أخرى يعتبر بولوز أن “الخلاف حول مسألة الاحتفال بهذه المناسبة، يمكن أن يكون له معنى في الدول التي يعيش فيها المسلمون رفقة المسيحيين”.
صراع عقائدي
وفي موقف أثار كثيرا من ردود الفعل، يقول الباحث في الدراسات الإسلامية، محمد عبد الوهاب رفيقي إن “فتاوى تحريم الاحتفال بميلاد المسيح بن مريم وأعياد رأس السنة لم تكن إلا نوعا من رد الفعل من الفقهاء المسلمين الذين رأوا في هذه الاحتفالات تهديدا لهويتهم وعقائدهم، فاعتبروها بدعا منكرة”.
ويتابع رفيقي، في تدوينة يتطرق فيها لهذا الموضوع، مبرزا أن احتفال المغاربة بمولد عيسى ورأس السنة الفلاحية، “لقيت استنكار الفقهاء، إلا أن عامة الناس لم يلتفتوا لذلك، ولم يروا في هذه الاحتفالات أي تهديد للهوية والعقيدة”، حتى أتت “الموجات الوهابية التي غزت المجتمعات الإسلامية، فأحيت فتاوى التحريم والتبديع، و أعادت مثل هذا الجدل عند رأس كل سنة”.
ويرى المتحدث أنه قد تم تجاوز “ذلك الصراع الهوياتي والعقائدي منذ زمن”، مبرزا أن “الاحتفال بهذه المناسبات هو اليوم ثقافة وعادات وفرص للفرح والابتهاج، وليست عبادة حتى يقال عنها بدعة”.
ويشدد رفيقي على أنه “لكل الحق في الاحتفال بميلاد الأنبياء جميعا، بل وغير الأنبياء، دون أن يكون في ذلك أي تهديد لهويته، هذا لو سلمنا أن هناك تهديد للهوية”.
طابع احتفالي
أما الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، علي شعباني، فيرى أن الاحتفال برأس السنة الميلادية في المغرب “تقليد ثقافي أكثر منه ديني”.
ويتابع شعباني تصريحه لـ”أصوات مغاربية” مفسرا رأيه هذا بالقول إن قلة المناسبات الاحتفالية خلال السنة، يجعل المغربي “ينتهز هذه الفرصة للاحتفال وتبادل الهدايا وصلة الرحم”.
ويشدد المتحدث على “الطابع الاحتفالي” لهذه المناسبة، التي يرى أن احتفال المغاربة بها لا تطبعه أية صبغة دينية، إذ يقول إن الأمر يتعلق بـ”احتفال حضاري وثقافي” الهدف من ورائه هو الاحتفال بالدرجة بالأولى.
في الوقت نفسه، لا ينفي السوسيولوجي المغربي، كذلك البعد التجاري عن هذه المناسبة، وهو يشير إلى الرواج الاقتصادي الذي تشهده عدد من المحلات التي تقتنى منها لوازم الاحتفال أو حتى الهدايا التي قد يحرص البعض على تقديمها، وهو أمر “لا يغيب عن كثير من المناسبات في المغرب” يضيف شعباني الذي يلفت إلى أن كثيرا من المناسبات حالها حال رأس السنة، تعرف رواجا اقتصاديا لحرف معينة أو حتى ظهورا لبعض المهن التي ترتبط بمناسبات بعينها وتغيب في غير أوقاتها.