الجهة 24- الرباط

يبدو أن الوزير يونس السكوري قرّر أن يخلّد اسمه في التاريخ السياسي المغربي، لا كمهندس إصلاح أو صانع فرص شغل، بل كملاكم بارع داخل الحكومة. فمنذ أن وطأت قدماه مقر الوزارة، تحوّلت المكاتب إلى ساحات معارك داخلية، والاجتماعات إلى جلسات جسّ نبض بين الولاء والغضب، أما الملفات فصارت تنتظر الفرج في ردهات الصمت البيروقراطي. كلما أُغلق باب صراع، فتح هو نوافذ عشرة.
من مديرة التكوين في الوسط المهني التي أعفاها ثم أعاد تعيينها لأسباب لا يعلمها إلا هو والكاتبة العامة ورب العالمين، إلى مديرة “لانابيك” التي لم تشفع لها حتى سنوات الصداقة كي يتركها تشتغل في سلام، دون أن تسلَّط عليها الكاتبة العامة/الخاصة في الوقت نفسه. ومن مفتشي الشغل الذين لا يتواصل الوزير معهم إلا عبر البلاغات، إلى النقابات التي أصبحت ترفض حتى الجلوس إلى طاولة الحوار معه، وصولًا إلى كاتب الدولة المكلَّف بالشغل، الذي وجد نفسه استثناءً نادرًا في التاريخ الحكومي: الوحيد بين جميع كتاب الدولة بدون ميزانية، وبدون شغل!
يشتري الشاي والقهوة من جيبه، لأن الوزير يرى أن تفويض الميزانية له خطر على “التوازن الداخلي”، و“يصنع” الشغل لنفسه بنفسه. فالوزير بدل أن يفوّض الصلاحيات، مهتم بأشياء أخرى.
وصولًا إلى لبنى اطريشة، المديرة العامة لمكتب التكوين المهني، التي لم يُعرف عنها أنها دخلت في صراع منذ تعيينها قبل أزيد من سبع سنوات، إلى أن أبى السكوري إلا أن يجرّها إلى طاولة الشطرنج التي يظن أنه يحرك قطعها كما يشاء، وينشر حول تدبيرها معطيات كاذبة فندها البلاغ الذي ردّت عليه به، ظنًّا منه أنه سينجح في التخلص منها والدفع بكاتبته العامة، المكلفة بغسيله القذر، لتجلس مكانها.
الرجل لا يترك خصمًا إلا ويختبر صبره. ولا يبدأ نهاره إلا إذا كانت هناك معركة، ولا ينام إلا بعد نزال إداري ناجح.
لا يهوى الإدارة الهادئة، ولا يطيق الاجتماعات المتزنة… كمحارب بارع من عصور السيوف والدروع جاء ليُصارع لا ليدبّر، وزاده في الحروب ليس الحوار ولا الكفاءة ولا ما “يفيد”، بل إطار إداري عُيّن في مجلس حكومي ليدبّر الموارد البشرية والميزانية، فمسخ نفسه — على كِبر — إلى عصا راعٍ “يَهُشّ” بها الوزير على خصومه كلما أراد معاقبة جهة أو “تجفيف” مصدر تمويل. يقضي وقته-حسب مصادر من مكتبه بحي الرياض- في اجتماعات مع الكاتبة العامة، يتباحثان فيها عن طرق أكثر إبداعًا في كيفية “تسخير” مدير الميزانية لمضايقة “الأعداء”.
كارثة حين تتحوّل ميزانية الدولة إلى لعبة في يد من يوزّعها بالمزاج، ويجمّدها بالانتقام، وكارثة أكبر أن تقبل الأطر الإدارية على نفسها أن تتحوّل إلى “سخّارة” يقضي الزملاء وقتهم في السخرية من الذل والمهانة التي أغرقوا أنفسهم فيها.
مشهد عبثي يليق برواية خيالية لا بوزارة تشرف على ملايين العمال. دونكيشوط الحكومة يواصل حربه ضد طواحين الهواء، مسلّحًا بمحاضر وبلاغات، ومقتنعًا أنه يُقاتل من أجل المصلحة العامة، بينما هو يجرف الوزارة إلى مستنقع من الحروب النفسية، والشلل الإداري.
ومن هنا، على من يهمهم الأمر أن يتحرّكوا قبل أن يتحوّل هذا العبث إلى قاعدة جديدة في تدبير الشأن العام. فليس من المقبول — لا عند الله، ولا عند الملك، ولا عند المواطن — أن تدار وزارة التشغيل بعقلية “الحلبة” بدل رؤية الدولة. ما يجري لم يعد سوء تدبير، بل إساءة ممنهجة لمؤسسة يفترض أن تكون حامية للاستقرار الاجتماعي لا ساحة لتصفية الحسابات. والصمت يعني الموافقة، اللهم إلا إذا كان فعلاً-كما يشيع في جلساته الخاصة- تحت حماية رئيس الحكومة ويدير حروبه بمباركته!!