قال الكاتب حسن أوريد إن الاحتجاجات الشبابية من حيث طبيعتها وشكلها، غير مسبوقة في تاريخ المغرب الحديث، إذ كانت الاحتجاجات السابقة في المغرب تلتقي في وحدة المكان والزمان، في مدينة معينة، ليوم واحد. وتختلف حتى عن احتجاجات تشبهها من حيث الامتداد الزمني، كما 20 فبراير في سياق “الربيع العربي”، وكانت ذات طبيعة سياسية، وتختلف عن “حراك الريف” الذي كان ذا طبيعة جهوية.

وأوضح أوريد في مقال له على موقع “الجزيرة نت” تحت عنوان “لماذا غضب جيل زد في المغرب؟” أن جميع الفاعلين السياسيين والقوى الحية في المغرب، وحتى الحكومة، تجمع على شرعية مطالب تحسين الصحة والتعليم، وتجمع كافة شرائح المجتمع المغربي على شجب العنف والتخريب.

وأشار الناطق الأسبق باسم القصر الملكي أن الخصاصة، أو ما يسمى بـ”الهشاشة” في الأدبيات الرسمية، قد استفحلت مع جائحة كوفيد، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم الذي أعقبها، فضلا عن تواتر سنوات من الجفاف. وكان الملك محمد السادس نفسه، في خطاب الجلوس بتاريخ 29 يوليو الأخير، قد عبر عن شجبه لمغرب بوتيرتين. وكان المغرب يسير فعلا بوتيرتين: واجهة براقة، وفي الوقت نفسه واقع خلفي كابٍ لمغرب آخر.

واعتبر أوريد أن هذا التباين بين مغربين، والتناقض الصارخ بينهما، وما عرّته وسائل التواصل الاجتماعي والتسريبات والثورة الرقمية، ما يغذي الحنق الاجتماعي. وكان كل متتبع حصيف يدرك أن الفجوة بين مغربين هي وصفة للتوتر.

وأكد المؤرخ السابق للمملكة أن السياسة في المغرب، كما في غيره، عرفت تشويها، حيث أضحت أغلب الأحزاب ماكينات انتخابية تجري وراء الأصوات، وحيث أصبح الاستوزار لا يرتبط برصيد سياسي أو معرفة ميدانية بالقطاعات من قِبل المرشحين للوزارة، كما قد يكون لدى بعض التكنوقراط، أو تكنوقراط يصبغون بلون سياسي.

وشدد على أن المغرب أصبح من غير طبقة سياسية، ومن غير نخبة فكرية، مع وزراء بلا نكهة ولا كاريزما، لا يحسنون الحديث ولا التواصل، وهو من أبجديات الفعل السياسي. ليس معنى ذلك أن المغرب يَعدم سياسيين مفوهين ومثقفين حصيفين، ولكنهم لم يعودوا مؤثرين.

وزاد “ترتب عن التفاوتات حنق اجتماعي، مع ظهور أوليغارشيات مالية، أي أصحاب ثروات لا يكتفون بالتأثير في القرار السياسي، بل بتوجيهه والتحكم فيه، من خلال ركوبهم الأحزاب وبلوغهم السلطة، ووضع مقربين لهم”.

وأبرز أوريد أنه لا يمكن إغفال عامل مهم في تغيير الثقافة السياسية، هو تداعيات الحرب على غزة. إذ غذى الوضع في غزة منسوب الغضب، وامتزجت في المظاهرات عناصر التضامن مع غزة وأهلها مع التعبير عن الهموم الاجتماعية. تستعمل مظاهرات التأييد لغزة للتعبير عن القضايا الاجتماعية، وتوظَف المطالب الاجتماعية للتعبير عن التضامن مع غزة.

وسجل أن الاحتجاجات الأخيرة في المغرب قلبت سلم الأولويات وغيرت نوعية النقاش، إذ كان النقاش، كما قال ناشط شبابي، ينصب على تشكيلة فريق كرة القدم والمدرب، ليتحول إلى سلم الأولويات الحكومية، وتدبير الشأن العام، وهندسة السلطة، وفي ذلك تغير جوهري.

وخلص أوريد إلى أن الاحتجاجات الأخيرة في المغرب رَجة من شأنها أن تعيد القطار إلى السكة، ليس فقط على مستوى تدارك النقص في المرافق الاجتماعية، بل فيما يخص إعادة النظر في الشأن العام بصفة عامة، مؤكدا أنه أيا كان تعاطي السلطات مع الاحتجاجات على المستوى القصير، فإن ذلك لا يعفي، على المدى المتوسط، من الانكباب على واقع المجتمع المغربي الذي تغيرت بنيته وثقافته ومرجعياته، من أجل الاستجابة لتطلعاته.