أمبارك الفارسي: العراقيل الإدارية ضد مجلس آيير تُبين التفاوت في وتيرة التنمية وهي نموذج للمغرب الذي يسير بسرعتين

الجهة24- آسفي
قال أمبارك الفارسي، بصفته مستشارًا جماعيًا ومحاميًا ضمن مجلس إيير، أن واقع التنمية في المغرب يتسم بازدواجية صارخة، تتجسد في مسارٍ تنموي يسير بسرعتين كما قال الملك في خطابه الأخير: أحدهما يعرف تقدماً لافتاً بفضل عوامل موضوعية، والثاني يظل رهينًا لعراقيل إدارية وبيروقراطية تعمّق من فجوة التفاوت بين الجهات.
وقال الفارسي، في تصريح لموقع “الجهة24” على هامش الدورة العادية للمجلس يوم الأربعاء ، إن الوضع الحالي الذي تعيشه بعض الجماعات الترابية يؤكد أن المغرب لا يزال يواجه اختلالات بنيوية على مستوى العدالة المجالية، مشيرًا إلى أن تباين وتيرة التنمية والخدمات بين الجهات يُعدّ نتيجة مباشرة لعجز المنظومة الإدارية عن المواكبة ولبطء المساطر المعتمدة في معالجة الملفات المرتبطة بالمواطنين.
وأشار الفارسي، ضمن أمثلة واقعية تعزز مضمون مداخلته، إلى أن العديد من المقررات الجماعية المصادق عليها من طرف المجلس تعرف تعطيلاً ممنهجاً في مرحلة التأشير الإداري، وهو ما يفرغ قرارات المجالس المنتخبة من فعاليتها، ويقوض مبدأ التدبير الحر الذي يكفله الدستور للجماعات الترابية.
وقال الفارسي إن عمالة إقليم آسفي، ومنذ عهد العامل السابق الحسين شينان، دأبت على التأخر غير المبرر في التأشير على مقررات صادرة عن مجالس منتخبة، دون تقديم أسباب قانونية واضحة لهذا الامتناع أو التأجيل، مما أدى إلى تعثر عدد من المشاريع التنموية والخدماتية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.
واعتبر أن هذا السلوك الإداري يتنافى مع مبدأ استمرارية المرفق العمومي، ويخالف روح الفصلين 136 و139 من الدستور، اللذين ينصان على تشجيع مشاركة المواطنين في تدبير الشأن المحلي وضمان فعالية الجماعات الترابية.
وتابع أن التأخير في التأشير لا يقتصر على حالة واحدة، بل أصبح ظاهرة متكررة تمس جوهر العمل الجماعي وتعطل تنفيذ البرامج المحلية رغم المصادقة القانونية عليها من طرف المجالس، مما يشكل، بحسبه، مساساً بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ويؤكد الحاجة الملحّة لإصلاح علاقة الجماعات بممثلي السلطة الإدارية
وتابع المستشار قوله إن التفاوت الحاصل لا يمكن تفسيره فقط بعوامل اقتصادية أو ديمغرافية، بل يتصل، في جوهره، بطبيعة البنية الإدارية والتشريعية، وما يرافقها من تبعية مفرطة للقرار المركزي وضعف التنسيق بين الإدارات المحلية والوطنية.
ملاحظات حول الإطار الإجرائي والتنظيمي
وأشار الفارسي إلى أن المساطر الإدارية المعتمدة في تدبير الشأن المحلي تعاني من طول وتعقيد غير مبرر، موضحًا أن هذا التعقيد لا يعيق فقط إنجاز المشاريع العمومية، بل يمس بحق المواطنين في خدمات فعالة وناجعة، على نحو يهدد جوهر مبدأ الإنصاف والمساواة في الولوج إلى التنمية.
واعتبر المتحدث أن العراقيل الإدارية لا تنفصل عن ضعف التنسيق الأفقي والعمودي بين مختلف مستويات السلطة، وهو ما يؤدي، حسب قوله، إلى ازدواجية في الإجراءات وتأخير غير مبرر في تنفيذ القرارات، فضلاً عن كلفة مالية وإدارية إضافية يتحملها المواطن والجماعة معًا.
وأكد الفارسي أن تجاوز هذا الوضع يتطلب، أولاً، إعادة النظر في العلاقة بين الجماعات الترابية والسلطات المركزية، وذلك عبر تمكين المجالس المنتخبة من صلاحيات تقريرية وتنفيذية حقيقية، تتيح لها اتخاذ قراراتها ضمن حدود ترابها، دون الحاجة إلى الرجوع الدائم إلى سلطة الوصاية.
وزاد الفارسي أن الإصلاح المنشود ينبغي أن يشمل أيضًا مأسسة التنسيق الإداري، من خلال لجان جهوية للتبع والتقويم، بما يضمن توحيد الرؤية وتسريع وتيرة الإنجاز، مؤكدًا أن القوانين التنظيمية ذات الصلة بالميثاق الجماعي والمساطر المدنية تحتاج إلى مراجعة دقيقة تراعي مبادئ النجاعة والفعالية والحكامة الجيدة.
وأضاف أن تمكين الجماعات المحلية من ممارسة اختصاصاتها الكاملة على ضوء مبدأ التفريع والتدبير الحر، كما ورد في دستور 2011، يشكل مدخلاً أساسياً نحو تحقيق عدالة مجالية قائمة على تكافؤ الفرص والمساواة في الاستفادة من الموارد العمومية.
واعتبر الفارسي أن الإبقاء على الوضع الحالي، بما يتضمنه من تعقيدات بيروقراطية وتبعية للقرار المركزي، يقوّض أسس التنمية المتوازنة ويكرس واقعًا إداريًا غير منصف، داعيًا إلى إرساء إصلاح هيكلي يعيد الاعتبار لدور الجماعات في قيادة التنمية الترابية.