“أطاك المغرب” تنتقد التبعية الغذائية وتدعو الحكومة إلى حماية المنتجات المحلية وتنظيم الفلاحين الصغار
الجهة24- متابعة
كشفت دراسة لمنظمة ”أطاك المغرب” أن“البديل الزراعي الشعبي ببلدنا” لا يمكن تحقيقه بدون “تطبيق سياسة الحمائية لفائدة المنتجات المحلية ضد غزو المنتجات الأجنبية”، و”تدعيم الإنتاج الموجه نحو تلبية الاحتياجات المحلية الأساسية”، و”اعتماد تنوع الزراعات والتناوب والتكامل الزراعيين على نفس الأراضي”، و”الدفاع عن الإرث الإيكولوجي واحترام أعراف وتقاليد وخصوصيات كل منطقة وقبيلة”.
وجاءت الدراسة ردا على تقرير “مجموعة عمل الأمن الغذائي” بمجلس المستشارين الصادر بعنوان “الأمن الغذائي بالمغرب”، أوصت أيضا بـ”تنظيم الفلاحين الصغار ذاتيا للدفاع على حقوقهم وحثهم على الاهتمام بالزراعات المعيشية المحلية غير المستنزفة للمياه”، وضمان حقهم في “اختيار نوع الزراعة والبذور”، مع “وضع آليات إطلاع السكان على مداخيل الثروات الطبيعية لمناطقهم”، و”ضمان حقوق السلاليين والسلاليات على أراضيهم”، و”إجراء تحقيق بشأن تواريخ التحفيظ العقاري خاصة الملك الغابوي تحت رقابة السكان ووضع جرد لجميع الأراضي المستولى عليها”.
وأوردت الدراسة، التي أعدها إبراهيم الحاتمي باسم “أطاك المغرب”، أن “مفهوم السيادة الغذائية هو نقيض لمفهوم الأمن الغذائي؛ ففي حين يدعو هذا الأخير إلى المزيد من التعويل على آلية استيراد الاحتياجات الغذائية، تُولي السيادة الغذائية الأهمية الكبرى لضرورة دعم الإنتاج المحلي، كما ينبني مفهوم الأمن الغذائي على الدور المركزي للأسواق العالمية في مسألة توفير الغذاء، في حين تنتصر السيادة الغذائية لحق الدول في تحديد سياساتها الزراعية وأولوياتها الغذائية عبر إشراك المزارعين والمزارعات”.
وتابعت الدراسة: “نهجت الدولة المغربية، منذ ”الاستقلال”، خيار تعميق التبعية الغذائية المتبعة في علاقتها مع السوق الرأسمالي العالمي والشركات متعددة الجنسيات”. واستحضرت مذكرة “أطاك المغرب” حول “تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد”، الذي قال: “كانت أولى توصيات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي في بدايات 1960 متمحورة حول ضرورة اعتماد المغرب على الفلاحة التصديرية كركيزة أساس “للنموذج التنموي” بعد الاستقلال وتمويله عبر القروض، وصدر تقرير لجنة النموذج التنموي سنة 2021 بعد أربع سنوات من تقرير البنك العالمي المعنون بـ ”المغرب في أفق 2040″، حيث أعلن أن النموذج التنموي القديم قد بلغ حدوده، وطالب بالاستمرار في الإصلاحات الهيكلية النيوليبرالية التي نجح المغرب في تطبيق قسم كبير منها”.
وواصل المصدر ذاته: “لا يتعدى مضمون النموذج التنموي الجديد جوهر السياسات الاقتصادية السابقة، وهي المزيد من تعميق التبعية الغذائية تجاه الخارج وتوجيه فلاحته لتلبية حاجيات المستعمرين القدامى والجدد”، عبر سياسات وبرامج “الفلاحة الكبرى الموجهة نحو التصدير”.
ونبهت الدراسة إلى نتيجة المنهج السابق الذي أدى إلى “تعميق واقع التبعية؛ عبر الاتجاه نحو التصدير، وتنمية الزراعة الرأسمالية الكبرى المستهلكة للمياه، مع إعطاء مبررات كون أن هذه الزراعات ستساهم في ضمان الأمن الغذائي. كما أدت السياسات الفلاحية المعتمدة في المغرب منذ عقود إلى قيادة المزارع الرأسمالي الكبير لعربة ”التنمية الزراعية”؛ الأمر الذي دفع بالفلاح الصغير نحو الهامش”.
كما انتقدت الدراسة التمسك بمفهوم عن “السيادة الغذائية” لا يتضمن منظورا “لإعادة هيكلة المجتمع من أسفل، يقوم به المعنيون بقضية إنتاج الغذاء واستهلاكه؛ أي صغار الفلاحين والفلاحات والرعاة والصيادين وأُجراء قطاع الفلاحة”، واعتبارهم “مجرد موضوع لمسألة سيادية تحتكر الدولة تدبيرها، دون أن يكونوا صناع السياسة الفلاحية”.
وتابع المصدر نفسه: “فتحت إجراءات برنامج التقويم الهيكلي، والانفتاح الليبرالي المعمم، ومخطط المغرب الأخضر المجال لتغلغل كبار الرأسماليين الخواص المحليين والأجانب بقطاع الإنتاج الفلاحي، أساسا لأجل التصدير ومتعتهم بالإعفاءات والإعانات، وعمقت سيرورة إفقار الفلاحين الصغار الذين يضطرون إلى كراء أراضيهم أو بيعها”.
وواصل: “حسب البحث الوطني حول “دخل الأسر: المستوى والمصادر والتوزيع الاجتماعي” الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط خلال الفترة الممتدة من 1 دجنبر 2019 إلى نهاية مارس 2020، متجنبا بذلك آثار جائحة كوفيد- 19، فقد بلغ متوسط الدخل 2083 درهما شهريا بالوسط الحضري و1297 درهما شهريا بالوسط القروي، حيث يعيش العشر الأكثر فقرا من الأسر المغربية بدخل فردي شهري لا يتجاوز 446 درهما بالوسط الحضري و430 درهما بالوسط القروي، فيما يفوق الدخل الفلاحي لـ 10 في المائة من الأسر الأكثر يسرا 38 مرة دخل الـ10 في المائة الأقل يسرا”.
ولا تربط الدراسة “الأزمة الغذائية الراهنة” باختيارات محلية فقط، بل بتوجه دولي، وخاصة “السياسات النيوليبرالية المطبقة منذ عقود على نطاق الكوكب؛ من خصخصة للخدمات العمومية والسلع، وتحرير للتجارة، وانفلات لحركة رؤوس الأموال دون ضوابط، وتفاقم لحجم الديون بالنسبة لدول الجنوب”.
ثم استرسلت شارحة: “في الواقع يعيش العالم مشكلة نظامية عميقة، وضمنها يوجد النموذج الغذائي العالمي الذي تعرض عبر تاريخه لصدمات اقتصادية وإيكولوجية واجتماعية بسبب السياسات ”التنموية”، تحت قيادة بلدان الشمال منذ ستينات القرن الماضي”.
كما استحضرت دور الحرب الروسية الأوكرانية في الأزمة الراهنة “وفقا لموقعهما المفصلّي في إنتاج الحبوب وتصديرها في العالم”، الأمر الذي يعني أن “أي اختلال في الأنشطة الزراعية والتجارة لأحد هذين البلدين أو كليهما، يتسبب في اضطراب الإمدادات العالمية للحبوب وكذلك في أسعارها”.
ثم زادت الدراسة: “يرتكز النمط الغذائي المغربي، بالأساس، على الحبوب، إذ إن متوسط الاستهلاك السنوي من هذه المادة يقارب 200 كيلوغرام للفرد في العام، أي ما يمثل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، حيث يعتبر الخبز أهم مكون في النظام الغذائي المحلي، ويعد المغرب أبرز مستوردي القمح من أوكرانيا إلى جانب الذرة، والمنتجات شبه المصنعة من الحديد أو الفولاذ والمواد البلاستيكية وغيرها. أما على الصعيد التجاري مع روسيا فالمغرب يستورد القمح والفحم وأنواع الوقود والأمونيا والديزل وزيت الوقود والبنزين البترولي والأسمدة الطبيعية والكيميائية”.
كما ذكرت أنه “حسب بيانات مكتب “الصرف الأجنبي” يُقدَّر حجم الصادرات المغربية لأوكرانيا بـ 600 مليون درهم، فيما تفوق قيمة الواردات من أوكرانيا ثلاثة مليارات درهم، وفيما يتعلق بالواردات المغربية من روسيا فتقدر بـ12 مليار درهم في عام 2021 وقيمة الصادرات 600 مليون درهم”.
وعادت الدراسة إلى السياسة الغذائية الوطنية، قائلة: “إن نظرة أولى إلى حصيلة “مخطط المغرب الأخضر” توضح أنه لم يحقق اكتفاء ذاتيا ولا شكل محركا اقتصاديا من أجل توفير فرص الشغل في الأرياف والمدن؛ بل يرتكز أساسه على الإنتاج من أجل التصدير، حيث إنه لا يضع في حسبانه العجز الغذائي الحاصل في المواد الغذائية الأساسية بل يعمقه. هذا الأمر الذي يضع المغرب من بين أكبر الدول المستوردة في منطقة البحر الأبيض المتوسط للحبوب والبذور والزيت والسكر. بالإضافة إلى هذا، فإن ثمار المخطط الأخضر تم جنيها من طرف كبار الملاكين والفلاحين مع تهميش صغار منتجي الغذاء”.
واستشهد المصدر بالاقتصادي نجيب أقصبي الذي لخص أعطاب “المخطط” في “فشله في خلق استقلالية الإنتاج بسبب ارتباطه بالأمطار (…) وعدم تحقيق المغرب للاكتفاء الذاتي من المواد الحيوية كالحبوب والسكر وسواهما؛ فـ”الكمية التي يتم استيرادها من الحبوب بقيت ثابتة لم تتغير”، و(…) التصدير، إذ ضاعف البلد من “إنتاجيته في الخضر والفواكه بهدف تصديرها، لكنه لم يتمكن من خلق أسواق جديدة”. وفي النهاية، يبقى المطب الأخير في عدم تحقيق هدف خلق 1.5 ملايين منصب شغل ما بين 2008 و2020، بل تفيد الأرقام الرسمية بأن 150 ألف منصب شغل قد فُقِدَ ما بين 2008 و2017”.
وأضاف: “بموازاة ذلك، أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات لعام 2018 بأن هناك تراجعا في حجم المساحات المسقية، إذ تراوحت ما بين 38 في المائة و45 في المائة من الأراضي المزروعة؛ وهو ما لا يمتثل لما نصت عليه الاتفاقيات المحلية التي أوصت بسقي 67 في المائة منها. في المقابل، أشار التقرير إلى “التطور” الملحوظ على مستوى إنتاج القمح الصلب والشعير، إذ أفاد بأن المساحة المزروعة بهذا المنتوج تضاعفت ثلاث مرات؛ لكنه أبدى شكوكه تجاه المعايير والمؤشرات المعتمدة في تحديد الأهداف المنشودة، سواء في الاتفاقيات المحلية أو في المخطط الأخضر بعدما اتضحت لمراقبي المجلس هوة طافحة بين ما هو مكتوب كأهداف وما هو عملي كإنجازات على الميدان”.
أما ”استراتيجية الجيل الأخضر” فوصفتها الدراسة بكونها “مواصلة لنفس اختيارات الحاكمين في القطاع الفلاحي بالمغرب؛ وبالتالي المزيد من تشجيع للاستثمارات الكبيرة بهدف مضاعفة الصادرات، وتوسيع إعانات السلاسل الكبرى لتسريع التصنيع الفلاحي مع الاستمرار في الاستحواذ على الأراضي ووضع ترسانة قانونية لتمليك الأراضي الجماعية”.
وأكدت الدراسة، في توصياتها، أن “الإصلاح الزراعي” يجب أن لا يكون “مجرد سيرورة لتوزيع ملكية الارض؛ بل عليه أن يترافق مع تغييرات داخل النموذج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، (…) مع سياسة السيادة الغذائية، أي حق الشعوب بتخطيط فلاحتها لتزويد جميع السكان بمواد غذائية وفيرة وذات جودة عالية وبأثمنة منخفضة وعلى مدار السنة”.
وأوصت الدراسة بـ”تبني إصلاح زراعي يقوم على نماذج تكنولوجية تسمح برفع الإنتاج دون انتهاك صحة الفلاحين والسكان وباحترام الثروات الطبيعية”، ودعت إلى “خلق بنك للبذور تدعمه الدولة ويديره المنتجون ويراقبونه”، وإلى “إخضاع تطوير الإصلاح الزراعي، وكذا تنظيم العمل والإنتاج، وفقا لمبدأ المساعدة المتبادلة والتعاون”، مع “استخدام الأراضي وتحديد المناطق الزراعية القروية التي يجب أن لا يشملها التوسع الحضاري”، و”إعداد قائمة بأنواع المنتوجات المحلية لتفادي فرض منتوجات غير تقليدية أو غير ملائمة للمناطق”.
وانتقدت الدراسة أيضا “الحيازات الكبرى من الأراضي”، و”السياسات التي ينفذها البنك العالمي والشركات متعددة الجنسيات بشأن الإصلاح الزراعي، وشركات احتكار التكنولوجيا، وقطاع الفلاحة التجاري والصناعي الذي يستغلنا، والمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة”. كما دعت إلى “الحد من سوء استخدام الأراضي لأغراض غير زراعية: كالمرافق السياحية، أو ملاعب الغولف رفض سياسة الاستيراد – بديلا عن الإنتاج المحلي – كونها تقوض أسس السيادة الغذائية”.