هشام العلوي: انتصار الثورات المضادة على “الربيع العربي” هش ومؤقت.. والأنظمة الاستبدادية في المنطقة مهددة بموجات احتجاجات كبيرة

 هشام العلوي: انتصار الثورات المضادة على “الربيع العربي” هش ومؤقت.. والأنظمة الاستبدادية في المنطقة مهددة بموجات احتجاجات كبيرة

قال الأمير هشام العلوي، ابن عم الملك محمد السادس، إن ما قام الرئيس التونسي قيس سعيد منذ عام، عندما قرر تجميد المؤسسات، أدى رمزيا إلى إغلاق الأبواب أمام رياح الديمقراطية التي هبت في شمال إفريقيا والشرق والأوسط في عام 2011.

وفي مقال تحليلي مطول نشره على صحيفة “لوموند دبيلوماتيك”، خلص هشام العلوي إلى أن الافتقار إلى عقيدة إديولوجية واضحة ومشاريع اقتصادية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، من شأنه أن يضع الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي في مواجهة احتجاجات كبيرة مجددا.

موجة جديدة من السخط الشعبي 

وأوضح صاحب المقال، الذي عنوانه “الانتصار الهش للثورات العربية المضادة”، أن المجتمعات العربية تعيش حالة من الإرهاق في اعقاب الضغوط المضادة للانتفاضات الشعبية التي اندلعت قبل أزيد من عقد، فعامة الناس منهكون بسبب غياب إيديلوجية حقيقة تسقي الجسم الاجتماعي، وأولئك الذين ما زالوا يرغبون في التعبئة يواجهون قمعا متزايدا.

وأكد الباحث المشارك في جامعة هارفارد الأمريكية، أن النخب السياسية منهكة لدرجة أنها لم تعد تبذل أي جهد لإقناع الناس بأن مستقبلا أفضل أو أكثر ازدهارا ينتظرهم، ولذلك فهم يديرون امتيازاتهم مع الحفاظ على الوضع الراهن.

غياب الإديولوجية وانهاك النخب السياسة يجتمعان كعاملان يؤدي إلى إبعاد السكان عن السياسة، وهكذا يميز هشام العلوي بين صنفين من السكان؛ جزء لم يعد يتصور خلاصه إلا في الهجرة، لكن أولئك الذين يبقون في الوطن لن يبقوا ساكنين في السنوات القادمة، بالتالي فإن حجم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الناشئة ينذر بموجة جديدة من السخط الشعبي.

فشل الإسلاميين غذى السخط السياسي 

وأشار الباحث في الدمقراطية إلى أن الجمود الحالي نابع من عدة عوامل، أولها خيبة أمل مريرة من الديمقراطية نفسها؛ ذلك أن تونس التي تمثل رمزا للانتقال الديمقراطي، وكانت رائدة في “الربيع العربي” عام 2011، وقاومت لفترة طويلة الانحدار الديمقراطي الذي أعقبها، إلى أن الانقلاب المؤسساتي الذي قاده الرئيس قيس سعيد، لم ينجح فقط لأن لمؤسسات ما بعد الثورة التي وضعها دستور 2014 اثبتت هشاشة غير عادية، ولكن المواطنون كذلك سئموا من الفساد المستشري والألعاب السياسة.

وتابع صاحب كتاب “الديمقراطية المعهودة في الشرق الأوسط: مصر وتونس من منظور مقارن” (الإنجليزية)، واصفا “سلطوية السيد سعيد القيصرية” التي استغلت خيبة أمل النشطاء من الديمقراطية، وهو دليل على أن النظام السياسي القائم على التعددية والشمول يمكن أن يعاني من تراجع شرس.

واعتبر الكاتب فشل الإسلام السياسي عاملا ثانيا لجمود السياسي الذي يعاني منه العالم العربي اليوم، لأنه على الرغم من انتصاره قبل 10 سنوات لم يستطع تقديم بديل للوضع يحظى بثقة الناس، ونتيجة لذلك لم يجد أتباعه مكانهم في الحركات الاجتماعية، سواء تعلق الأمر بالنهضة في تونس ، أو جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن ، أو حزب العدالة والتنمية في المغرب، فإن الهيئات الرئيسية للإسلاموية الآن تشبه االتنظيمات القديمة التي فقدت الاتصال بالشباب.

وأوضح هشام العلوي الفرق بين النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب، فالأولى مارست مسؤوليات مهمة في تونس ما بعد الثورة ، بينما كان حزب العدالة والتنمية يتمتع بسلطة محدودة للغاية عندما قاد الحكومة المغربية (2011-2021).

على مدى العقد الماضي، استحوذت معظم الأنظمة العربية على الخطاب الديني الذي كان ضامنا لنجاح خصومها الإسلاميين خلال إنشاء خطابهم الخاص المبني على المحافظة الاجتماعية التي تستهدف النساء والأسر ، وهكذا عملت الأنظمة بجد على أساس الشريعة، والنتيجة هي “تعصب الدولة “، الذي يمكن ملاحظته من بين آخرين في الجزائر ، حيث النظام يحشد الشرطة والعدالة والإدارة لفرض قوانين جديدة تشدد القيم الاجتماعية والسلوك الشخصي.

“الديمقراطية خطيرة والسلطوية هي البديل”

العامل الثالث الذي يغذي السخط السياسي، هو توقف الإنترنت والشبكات الاجتماعية عن تشكيل فضاء حر ومحمي للشباب العربي الذي يحلم بالهروب من النفوذ المترامي الأطراف لقادته، يوضح العلوي أنه وفي فجر الحركات الشعبية عام 2011، لم يكن من غير المألوف أن نسمع من علماء الاجتماع الغربيين يشيرون إلى الفضاء الإلكتروني على أنه “تقنية تحرير”، ثم سارعت الحكومات العربية إلى احتلال هذه الفضاءات ووضعت وسائل جديدة للسيطرة على شبكة الإنترنت، فهي لم تعد تعتمد على أسلوب قطع الوصول إلى الانترنيت، بل بالأحرى إرباك النشطاء، من خلال أنظمة المراقبة المبني على القرصنة وتحديد الموقع الجغرافي، بالتالي يصبح الانترنيت رمزا حديثا للرقابة حيث يمكن تتبع ما كل ما يقال وجميع الملفات الشخصية لكل مستخدم للإنترنت على الفور من قبل السلطات.

ثم يخلص الكاتب إلى ضرورة اتخاذ مقياس للنتائج المتداخلة للثورات المضادة التي قادتها الأنظمة العربية، وذلك من أجل فهم الإرهاق السياسي للأنظمة الحالية، حيث الأنظمة الاستبدادية العربية التي نجت من انتفاضتي 2011 و 2012 أجندة مصممة لخنق الديمقراطيين تحت وطأة القمع والعسكرة وتهميش القضية الفلسطينية ودعم الديكتاتوريات الصديقة.

وأشار العلوي إلى أن الثورة المضادة نجحت في وقف تيار الاحتجاج، لكنها فشلت في فرض نظام مستقر وشرعي، كما فشلت الثورة المضادة في تثبيط أي معارضة وتلميع صورة الاستبداد، وفشلت في فرض نفسها كإيديولوجية بديلة.

ومن مظاهر الثورة المضادة إضعاف اليسار التقليدي ومحاصرة القوى الإسلامية في معاقلها، كما قامت الأنظمة بزرع الفتنة داخل المعسكر الديمقراطي وساوت بين أي مطلب من أجل الحقوق السياسية والتطرف، وفي نفس الوقت زادت من حدة العداوات التي دعت إلى قمعها.

ومع ذلك، ليس للثورة المضادة أيديولوجية خاصة بها، بل مجرد برنامج لاستعادة الاستبداد من خلال الخوف والإكراه. كبديل للديمقراطية التي تم تقديمها على أنها خطرة بطبيعتها وغير قادرة على ضمان الازدهار ، فقد عرضت أولاً نموذج الرجل القوي والسلطة المطلقة، معتقدة أنها يمكن أن تملأ الفراغ.

هيئة التحرير

أخبار ذات صلة

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة الجهة24 لتصلك آخر الأخبار يوميا