“قصر البحر” و”المسجد الكبير” و”دار السلطان”.. معالم تاريخية في آسفي تنتظر نفض غبار النسيان عنها

تستعد السلطات العمومية والمنتخبة في مدينة آسفي الشروع في العمل قصد ترميم معلمة قصر البحر التاريخية، مباشرة بعدما صادق قبل أسبوع، المجلس الترابي للمدينة على اتفاقية شراكة تضم وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك ووزارة الثقافة ووزارة الداخلية ومجلس آسفي بميزانية 134 مليون درهم، فيما تقول المديرية الإقليمية للثقافة بآسفي إنها هي الأخرى ستشرع في بدء الدراسات لإنقاذ الكنيسة الاسبانية.
وخصص من المبلغ نفسه أزيد من 03 مليون درهم للدراسات الاركولوجية والدراسات القبلية المتعلقة بترميم قصر البحر الذي شيد سنة 1515، واكتمل بناؤه سنة 1523 وهو عبارة عن هندسة معمارية عسكرية بالغة الدقة تؤرخ لحقبة الاستعمار البرتغالي لآسفي والصراع الدائر حول المدينة والتجارة وكيفَ أقدم “المانيليون” على استهداف المدن الساحلية عقب احتلال آسفي إبان القرن السادس عشر
وتبلغ مساحة قصر البحر نحو 3900 متر مربع، يعلوه برج واحد للمراقبة، وجعل منه البرتغاليون حصنا عسكريا عام 1508، ويطل قصر البحر على المحيط الأطلسي في مدينة آسفي وقد صنفت الحكومة المغربية هذا المبنى الأثري ضمن التراث المعماري الوطني الذي تلزم حمايته من التآكل، لكونه ذاكرة حضارة تشهد على التاريخ الإنساني المغربي-البرتغالي.
أسباب التآكل والانهيار
أوضح الباحث في علوم الاثار والتراث سعيد شمسي في حديثه لموقع “لكم” أنَّ الأسباب التي أدت إلى انهيار قصر البحر ليست أسباب حديثة الولادة، وأكد أنها أولا أسباب طبيعية بدرجة أولى، ويتعلق الأمر بتسبب الأمواج العاتية والمنكسرة على صخرة أموني التي شيد عليها هذا الحصن في تشققات عمودية بالصخرة.
وأكد شمسي أنَّ تقريرا من السلطات الفرنسية خلال فترة الاستعمار وعبر أحد المهندسين الفرنسيين والباحثين في الآثار أشار إلى حقيقة أن سبب هذا التصدع جاء بعد بناء رصيف ميناء آسفي الذي أحدث سنة 1930 حيث وضعت الحواجز الإسمنتية لتغيير وجهة الأمواج حتى ترسو البواخر والسفن بالميناء وفي المقابل أدى تكسير الأمواج على صخرة أموني التي شيد فوقها الحصن إلى تآكل مستمر مع تكرار الاهتزازات.
وقال أمين الراحلي عضو جمعية ذاكرة آسفي، إنه منذ تأسيس المكتب الشريف للفوسفاط في مدينة آسفي سنة 1921، بدأت القطارات التي تنقل الكبريت والفوسفاط تمر بجانب قصر البحر، مشيرا إلى أنه بسبب هذه العملية التي تسبب الاهتزاز لاسوار قصر البحر، سببت شقوقا وتصدعات ضخمة ساهمت هي الأخرى في انهياره.
مشكل عميق و134 مليون درهم لا تكفي
وبالنسبة لهذا الباحث فإنَّ قصر البحر شهد عدة هزات، فخلال الفترة الممتدة بين سنتي 2001 و 2004 انهار السور الغربي للقصر الذي يحمل مجموعة من المدافع وفي سنة 2010 انهار ثلثا البرج الجنوبي الغربي وأثناءها اتخذت الوزارة الوصية على القطاع مع السلطات المحلية قرار إغلاق القصر ومنع الزوار من الدخول إليه، قبل أن ينهار الجزء الغربي بكامله خلال الفترة مابين 2014 و 2016 والمتمثل في القاعات الأرضية التي كانت تستخدم مأوى للجنود وفي سنة 2017 تفاقم تدهور القصر بشكل خطير.
ومن جهته يأمل الربيعي العلمي عضو جمعية أسفو للمدينة العتيقة، أنَّ تكون اتفاقية ترميم قصر البحر أول الغيث، واعتبرها عبارة عن قطرة، مشيرًا إلى أن رصد مبلغ 134 مليون درهم يبقى غير كاف، وأكد العلمي الربيعي، أن المشكل ليس مشكل انيهار جدران وأبواب يمكن اصلاحها، بل يتعلق الأمر، بمشكل أعمق يمتد إلى الأسباب المتمثلة في تكسر الأمواج على صخور ميناء آسفي إلى حيث تتواجد الصخرة التي بٌني عليها قصر البحر.
بناء عشوائي يشوّه المعلمة
وأكد العلمي، أنَّ الإصلاح يجب أن يكون اصلاحا جدريا، يٌعالج اشكالية الأمواج وارتكاز قصر البحر على قاعدته بشكل يضمن عدم ارتداد الأمواج كما هو عليه الأمر حاليا، واعتبر العلمي أن البداية لرد الاعتبار لقصر البحر تكون أيضًا من خلال الاعتناء الدوري به وتأهيله ليكون قبلة سياحية وتاريخية.
ونبه عضو جمعية أسفو للمدينة العتيقة، استمرار احتلال جنابات قصر البحر من خلال تواجد مقهى ضخم عشوائي، ظهرت قبل سنوات في هيئة كشك مرخص من مجلس آسفي تم تحوله إلى مقهى ترخي باجنحتها على قصر البحر المعلمة التاريخية، وتسائل العلمي، عن عدم تنفيذ قرار المجلس الترابي القاضي بهدم المقهى المذكورة، والتي تعود ملكيتها لعائلة أحد المنتخبين المعروفين في المدينة.
ثمانية قرون من تاريخ آسفي
سُمي “دار السلطان” في عهد الدولة الموحدية و”بيرو عرب” إبان الاستعمار الفرنسي للمغرب، حيث تحول إلى الإدارة الفرنسية المعاصرة أنداك وكان يضم أرشيف قبائل ممتدة أحيانا من خارج آسفي، وشيدت معلمة دار السلطان في نهايات القرن الثاني عشر الميلادي على هضبة من قبل الدولة الموحدية على شكل قصبة مربعة الشكل تحتوي على سور وأربع أبراج بغاية مراقبة الغزو الخارجي المحتمل، خاصة من جهة المحيط الأطلسي.
ويقول خالد أفقيهي مفتش المباني التاريخية بالمديرية الإقليمية لوزارة الثقافة لآسفي في حديثه لموقع “لكم” إن دار السلطان كانت تُستخدم في إيواء القيادة العسكرية بالمنطقة إلى عهد الدولة المرينية أي منذ ما بعد النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي بعد ضعف الدولة الوطاسية وبروز الاحتلال البرتغالي لمدينة آسفي في بداية القرن السادس عشر على عهد الملك إيمانويل الأول.
وخلال الاحتلال البرتغالي ستطرأ تحولات معمارية على دار السلطان حيث شيد البرتغاليون على أنقاضها موقعا عسكريا جديدا أطلق عليه اسم “القشلة” وهي كلمة مشتقة من الكلمة البرتغالية “كاشتيلو” وأهم ما قام به البرتغاليون في إعادة توظيفهم للقصبة “القشلة” – نظرا لموقعها الاستراتيجي – بناؤهم لسورها الجديد بالأحجار والمواد المتوفرة بعين المكان وإقامتهم لبرجين تعلوهما مدافع من البرونز، عوض الأبراج الأربعة التي بناها الموحدون.
قصة المسجد الأعظم الذي احرقه البرتغال
من جهة أخرى، اعتبر الباحث في علوم الاثار سعيد شمسي، أن المسجد الأيل للسقوط المتواجد في المدينة العتيقة لآسفي، أقدم من صومعة الكتبية، ووفقًا للمراجع التاريخية، فإنَّ هذا المسجد، الذي تنفصل صومعته على وسطه، دنسه البرتغال وأحرقوه وعلقوا صليبا فوق صومعته وعليه حبس سلاطين المغرب كتبا نفيسة بماء الذهب.
وبني المسجد إبان دولة السلطان محمد الشيخ المهدي، ومن بين مميزات المسجد الأعظم بآسفي انحراف محرابه، مما جعله يضم محرابين: المنحرف بجهته الجنوبية والمضبوط بالجهة الشرقية، ورفع سكان آسفي، طلبا إلى الملك محمد الخامس بنقل المحراب من جهة الخطأ إلى الصواب، فكان جواب الملك بالإيجاب وبعث العلامة الفلكي “سيدي محمد العلمي” ليشرف على تعيين القبلة الجديدة، وكان ذلك يوم الثلاثاء 5 مايو من سنة 1936، كما يذكر ذلك المؤرخ العبدي الكانوني في كتابه “آسفي وما إليه”.
ويعتبر المسجد الأعظم أو الكبير بآسفي، يعد من أقدم عمران المدينة العتيقة، يمكن اعتباره الركن الأساس فيما عرفته مدينة آسفي من تطور في عمارتها الإسلامية ونهوضها العلمي في العصر الموحدي وما تبعه من دول وعصور، وبذلك، يكون قد شكل النواة الأولى في تجديد تعمير المدينة.
وتظهر اليوم، علامات خراب والتآكل على جنابات المسجد، ومن جانبها تؤكد المديرية الاقليمية للثقافة بآسفي، أنَّ مسؤولية الترميم ليست دائما مقتصرة على مسؤولية المديرية الاقليمية أو وزارة الثقافة، وقالت ابتسام أورميشي المديرة الجهوية لوزارة الثقافة إنَّ هناك عدة مشاكل متداخلة، أبرزها التملك العقاري، والميزانية، ومسؤولية المجالس المنتخبة، وتداخل الاختصاصات.
وأكدت المديرة الجهوية في حديثها لموقع “لكم” أنها تعمل على احصاء جميع المعالم الاثرية في مدينة آسفي، قصد تمكينها من دراسة محكمة وبرنامج معين بغاية رد الاعتبار اليها، وذكرت أن الدراسة الاولى ستهم الكنيسة الاسبانية.
وتبقى بعض المعالم الاثرية التاريخية، في ملكية الخواص إذ ترى السلطات ووزارة الثقافة، أنها مسألة صعبة تحول دون اعادة انقادها، ويتعلق الامر بكنيسة سان كاترين والكاتدرال البرتغالية التي تأسست سنة 1519م على أنقاض المسجد الجامع (المسجد الأعظم) الذي هدمه البرتغاليون، واحتفظوا فقط بصومعته لاستعمالها كمكان يقرع منه جرس الكنيسة.