رأي- لجنة برنامج “النَّجْمْ الشَّعْبِي” تغيِّب إسم شخصية “الشّْعَيْبِيَّةْ” من نص العيطة العبدية “الْعَمَّالَةْ”

الكاتب: أحمد الفردوس- باحث في فن العيطة
في الحقيقة لم أقدر على مشاهدة ومتابعة برنامج “النَّجْمْ الشَّعْبِي” الذي يقدمه الإعلامي رشيد العلالي بالقناة الثانية كل يوم من نهاية الأسبوع ـ اختار البرنامج 52 موهبة من بين المئات من مختلف مناطق المغرب للتنافس على اللقب ـ
وقد تشكلت لجنة تحكيم لهذا الغرض، من أجل تقييم أداء المتبارين والمتباريات، علما أن هذه اللجنة في اعتقادي الشخصي تم اختيارها من طرف “أصحاب البرنامج” على قاعدة اختزال الغناء الشعبي في لون أو نمط غنائي واحد ـ وحسب رأي المراقبين والمتتبعين ـ حيث ينتصب سؤال مهم جدا: كيف للجنة ذات مسار وأسلوب وطبيعة فنية واحدة، أن تقيم عمل متنافس أو متنافسة يؤدي نمط العيطة الجبلية، أو غناء الروايس، أو فن الملحون، أو لون أمازيغي أو ريفي…؟ على اعتبار أن اللجنة تفتقد لمكونات أخرى تفهم وتعي جيدا معنى التحكيم المتكامل والمتجانس…ولماذا استبعد “أصحاب البرنامج” دور الباحث والكاتب والسوسيولوجي والأنثروبولوجي…لتقييم مواضيع تراث الغنائي الشعبي بكل خصوصياته وروافده؟
ملاحظات من أجل تدارك أخطاء اللجنة
في رسالة مفتوحة للكاتب المسرحي والباحث في الموروث الثقافي الشعبي عبد الرحيم شرّاد كان قد وجهها إلى أعضاء لجنة تحكيم برنامج “النَّجْمْ الشَّعْبِي” عبر صفحته الرسمية بمنصة “فيسبوك” حيث طرح في بداية تتبعه لذات البرنامج سؤالا وجيها بهذه الصيغة:
“إن المتبارية وصال العبدية، غنت أمام أنظاركم وتحت مسامعكم، عيطة “الْعَمَّالَةْ ” (أبَّا عَلَّالْ سَّاجَنِّي). وأنتم المتمرسون أكثر منا في فن العيطة، فهل كلمات من قبيل “عَنْدِي كِيَّةْ فِي الجْدِيدَةْ جَاتْ بْعِيدَةْ/ عَنْدِي كِيَّةْ بِينْ الَقْصَيْبَةْ وَالشَّمَّاعِيَّةْ” التي رددت وصال العبدية في الغناء، كلمات تنتمي لمتن عيطة “الْعَمَّالَةْ”؟
من هذا المنطلق، اعتقد شخصيا، أن الأستاذ عبد الرحيم شرّاد، يروم من خلال هذا السؤال، أن تتحمل لجنة التحكيم مسؤولياتها الطربية والموسيقية والغنائية والتقنية، إلى جانب تنبيهها إلى الحرص الشديد على النطق السليم لمخارج الحروف والكلمات، وعدم تشويه النص الغنائي من خلال إقحام جمل غنائية وكلمات دخيلة، أو زيادة متن عيطي ينتمي لنص آخر بعيدا عن سياقه التاريخي وسياق أسباب نزول القصة، سواء كان من تراث فن العيطة، أو أغنية شعبية متداولة. دون الحديث عن مسؤولية اللجنة “المختارة” في تحبيب فن تراث العيطة والموسيقى والغناء التقليدي للجيل الحالي.
من جهة أخرى يهدف سؤال عبد الرحيم شرّاد إلى تنبيه “اللجنة” ـ بعيدا عن رواية اللجنة لنصع الله إبراهيم ـ ، تنبيهها إلى الحرص الشديد على استحضار كلمات النصوص الغنائية المعلومة، حتى لا تضيع مجهودات الباحثين والمختصين الذي اشتغلوا على تنقيح تاريخ تراث فن العطية ونصوصها الرائعة، ثم العمل على تفادي سقوط “النَّجْمْ الشَّعْبِي” في تكرار الكلام الدخيل والساقط والمبتذل الذي يروج له دون تدخل من يعنيه الأمر، على اعتبار أن هذا البرنامج ممول من المال العام المتمثل في ضرائب الشعب الموجهة للطاع السمعي البصري، ومن واجب “لجنته التحكيمية” ومعدّيه ومقدّميه أن يدركوا جسامة المسؤولية الفنية لتصحيح كل الأخطاء التي راكمتها عدة برامج سابقة مشابهة لتعم الفائدة طبعا.
في هذا السياق سجل الأستاذ عبد الرحيم شراد خلال ـ البرايم الأول ـ من منافسات برنامج “النَّجْمْ الشَّعْبِي” بعض مواقف وسلوكات “اللجنة”، المرتبطة بملاحظة عبد الرحيم شرّاد لـ “انبهاركم المبالغ فيه، إثر استماعكم لما اعتبرتموه بين قوسين (عَيْطَةْ الْعَمَّالَةْ). حيث تأسف عن ضياع وحدة الموضوع المتعلق بنفس العيطة بقوله:
“للأسف، لقد ضاعت وحدة الموضوع وضاعت معها مضامين هذه العيطة التي تنتمي إلى النمط الحصباوي العبدي. ربما لم تكلفوا أنفسكم حتى عناء السؤال عن هوية شخصية “الْعَمَّالَةْ”؟ ومن تكون؟
ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، فقد عجل الباحث في التراث الشعبي عبد الرحيم شرّاد إلى الكشف عن شخصية/المرأة المقصودة في هذه العيطة العبدية، وأجاب عن سؤاله قائلا:
“أقول إن “الْعَمَّالَةْ” هي شخصية امرأة اسمها “الشّْعَيْبِيَّةْ”، وللأسف الشديد لم تذكرها المتبارية وصال العبدية في الغناء” أمام “اللجنة” مع أنها شخصية “لها دور محوري في قصة هذه العيطة”.
واستطرد عبد الرحيم شرّاد، مؤكدا بأن شخصية “الشّْعَيْبِيَّةْ” هي “المرأة التي أخذت حادة الزيدية بالحيلة”، ومن هنا جاءت صفة (الْعَمَّالَةْ)، حيث أوهمت حَادَّةْ (أي خَرْبُوشَةْ) بأنها سوف تقابل حبيبها “سِيدِي أحْمَدْ”. والحقيقة أنها كانت مُسَخَّرَة من طرف والده القائد عيسى بن عمر، الذي كان يريدها لنفسه، لكن “خَرْبُوشَةْ” امتنعت ورفضت السقوط في فخ هذه العلاقة المشبوهة.
ويستدل هنا عبد الرحيم شرّاد بجملة شعرية من عيطة “الْعَمَّالَةْ” حيث يقول في هذا الصدد، أن في هذه العيطة ما يدل على هذا الرفض/الإكراه بشكل صريح:
“آ لَطِيفْ آ لَطِيفْ…اللهْ آ سِيدِي لَمْحَبَّةْ مَا شِي بِالسِّيفْ”
وأكد بالقول: “إن خديعة الشّْعَيْبِيَّةْ لصديقتها حَادَّةْ/خَرْبُوشَةْ لم تقف عند حدود استدراجها لمتعة عابرة مع القائد عيسى بن عمر، وإنما تعدتها إلى الوشاية الكاذبة، حيث أخبرت سِيدِي أحْمَدْ أن خَرْبُوشَةْ على علاقة مع والده”، ولهذا السبب استعملت صفة “الْعَمَّالَةْ” وأطلقت عليها خربوشة في ذات العيطة وصف آخر وهو “الْخَلَّاطَةْ”:
“الْخََلَّاطَةْ آشْ كَيَسْوَاوْ؟
يَسْوَاوْ الرِّيحْ الِّلي ﮜَالُوا كْلَامْ الْعَارْ”
وفي قراءة سريعة للباحث في موضوع عيطة “العمالة” أوضح شرّاد، بأن “في هذه العيطة كلام يظهر أن خَرْبُوشَةْ تبرِّئُ نفسها وتدفع عنها هذه الشبهة، بل تنفيها نفيا قاطعا وذلك من خلال الشذرة الشعرية التالية:
“مَا ﮜَالْ لِيَّا مَا ﮜَلْتْ لِيهْ
مَا أَنَا رَبِّي نَعْفُو عْلِيهْ”
إن كلام خربوشة هنا يعطي الدليل القاطع بأنها تصرح علانية “بأنه لم يَدُرْ بينها وبين القائد عيسى بن عمر أي كلام أو حديث” بل أنها تفضح وتقر ميولات القائد حسب قول الأستاذ عبد الرحيم شرّاد “بأن ميول القائد غير سوي” ويطرح سؤالا حارقا في هذا الشأن “إذ كيف سولت له نفسه “عيسى بن عمر” أن يطلب المتعة من شابة يعلم علاقتها بولده “سيدي أحمد”؟.
في سياق متصل حمل الأستاذ شرّاد المسؤولية الفنية “للجنة” في ضياع معاني قصة عيطة “الْعَمَّالَةْ” المخادعة، بقوله: “كل هذه المعاني لم نلمسها في الغناء، حتى ضاعت علينا تفاصيل الحكاية، ورغم هذا شاهدنا ـ اللجنة المحترمة ـ مبتهجة وفي غاية السرور حتى أنها لم تقل ولو ملاحظة بسيطة عن تحريف معنى العيطة بالكامل”
واستشهد نفس المتحدث عن أخطاء “اللجنة” بما أوردت المتنافسة وصال العبدية حينما قالت في غناء عيطة “الْعَمَّالَةْ”:
“سُوَّلْتْ عْلِيكْ الْغَالْيَةْ مَا بَايْعَةْ مَا شَارْيَا”
بينما الأصل في الكلام هو أن خربوشة أرادت أن تطمئن قلب حبيبها وهي تبلغه سلامها بالقول:
“مَسَّاتْ عْلِيكْ الْغَالْيَةْ”
بمعنى: أن حبيبتك العزيزة على قلبك تُقْرِئُكَ السلام
“مَا بَايْعَةْ مَا شَارْيَا”
بمعنى: لم تبع حبها لك ولم تشتري مقابله حب أبيك
“هَذَا عَارِي مَرْسُولْ لِيكْ
مَسَّاتْ عْلِيكْ وُﮜالَتْ لِيكْ
صَبَّرْ عَقْلَكْ دَابَا نْجِيكْ”
بمعنى: توصيه بالصبر وتعده باللقاء والوصال. إنها تعده بوصال غير منقطع
“سِيدِي صْبَاحَكْ
سِيدِي مْسَاكْ وَعَادَا لَهْوَى عَادَا”
بمعنى: أنها ستجود على حبيبها بلذة الوصال في كل صباح ومساء وكلما قضى منها وَطَرَه سيعيد الوصال مرة تلو المرة.
“عَادَا لَهْوَى عَادَا”
أي بمعنى “عادا” هنا هو “إعادة”
إن خربوشة ترغب في حبيبها سِيدِي أحْمَدْ، وغاية ما تطمح إليه من خلال هذه العلاقة هو الإحساس بالمتعة، حيث نجد في نص عيطة “العمالة” الإشارة التالية:
“مَا جِيتْ إِلَّا نَزْهَى مْعَاكْ”