رأس السنة الأمازيغية.. كيف سيحتفل المغاربة ببلوغ سنة 2974؟
يحتفل المغاربة رسميا يوم 14 يناير المقبل، برأس السنة الأمازيغية 2974، بعد اعتماد هذا التاريخ كعطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر بالمملكة، ويأتي ذلك تفعيلا للقرار الملكي الصادر يوم 03 ماي 2023 بهذا الخصوص. فما هو أصل الاحتفال بهذه المناسبة؟ وكيف تطورت طقوس الاحتفال بها عبر الزمن؟ وماذا يمثل هذا القرار بالنسبة لتكريس الطابع الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية بالمغرب؟
أقرّ الملك محمد السادس، رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية، وأصدر توجيهاته باتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الذي يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية.
احتفال ضارب في القدم
يرتبط تاريخ السنة الأمازيغية بالتقويم الفلاحي في منطقة شمال إفريقيا الضارب في القدم، والذي لم تصلنا منه سوى شذرات في كتب التاريخ، وفق أسمهري المحفوظ، الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي أشار، بالمقابل، إلى أن ما يسمى بـ”علم الفلك الشعبي” احتفظ بالكثير من المعطيات حول هذا التقويم.
وأوضح أسمهري أن الإشارات التاريخية التي يُستفاد منها الاحتفال برأس السنة وفق التقويم الأمازيغي هي معطيات بعض الكتب الدينية سواء المسيحية التي كانت منتشرة بشمال إفريقيا قبل الإسلام، أو حتى عدد من الكتب بعد دخول الإسلام التي انتقدت بعض طقوس الاحتفال بهذه المناسبة، كما وصفتها عدد من الفتاوى بالوثنية.
وأبرز أن المرجّح، بناء على هذه المصادر، هو أن المجموعات البشرية بمنطقة شمال إفريقيا كانت تقوم بطقوس واحتفالات في مطلع شهر يناير، التي تتزامن مع الانقلاب الشتوي الذي يرتبط ببداية السنة الفلاحية، عكس التقويم الفلاحي المصري القديم الذي كان يبتدأ في فصل الصيف ارتباطا بفترة فيضانات نهر النيل.
طقوس خاصة تطورت مع الزمن
عرفت طقوس الاحتفال بالسنة الأمازيغية التي تسمى “إيض إيناير” و”اخفوظ أسڭس” أو “حاڭوزة”، تطورا مع مرور السنين، حسب أسمهري المحفوظ، الذي أبرز أن طبيعة الاحتفالات ومدتها تختلف من منطقة إلى أخرى، إذ تمتد لأسبوع كامل في بعض المناطق، وهذا ما يفسر الاختلاف في تاريخ رأس السنة بين 12 و13 و14 يناير.
وأورد الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن الاحتفالات بهذه المناسبة يغلب عليها الطابع الرمزي حيث أن أغلبها مرتبط بالفلاحة من خلال التطلع إلى حماية وازدهار الزراعة والماشية، باعتبارها المورد الرئيسي للأسر والمجموعات البشرية؛ خصوصا بالمناطق ذات الطبيعة الوعرة.
وأشار إلى أن الأكلات الجماعية مثل “الكسكس” و”وركيمن” و”العصيدة” تُعد أساس الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، حيث يتم وضع نواة تمر داخل الأكلة، ويعتبر الشخص الذي يصادف هذه النواة خلال الأكل الأوفر حظا خلال السنة المقبلة من ناحية المحصول الفلاحي وسلامة وتكاثر الماشية التي يمتلكها، كما يتم وضع مفاتيح المؤونة تحت تصرفه تيمنا بأن الموارد الاستهلاكية المخزنة ستكفي طيلة السنة.
وتابع أنه في بعض المناطق يتم الحرص على عدم تقديم الخبز في مائدة الأكل خلال رأس السنة لكونه “يابسا”، مما يجعله فأل شؤم ليلة استقبال السنة الجديدة التي يأملون أن تكون سنة حافلة بالأمطار.
وأكد المتحدث ذاته أن الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية شهدت تطورا كبيرا مع مرور السنين، بفعل ظهور الحركة الثقافية الأمازيغية، كما تأثرت بالتمدن، وبالاحتكاك بالثقافات الأخرى، مثل احتفالات رأس السنة الميلادية؛ وعلى العموم فهناك حرص على صون تقاليد رأس السنة الأمازيغية المتوارثة عبر الأجيال خاصة الأكلات التقليدية.
إقرار رأس السنة الأمازيغية مجرد بداية
قال الفاعل الأمازيغي عبد الله بادو إن اعتماد رأس السنة الأمازيغية كعطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر بالمغرب قرار ملكي حكيم، في انتظار اتخاذ الحكومة للإجراءات اللازمة لتكريس الطابع الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، باعتبارها مكونا رئيسيا للثقافة وللهوية بالمملكة.
وسجّل بادو، أنه على مستوى التعليم هناك تأخر في تنزيل مخطط تعميم اللغة الأمازيغية بجميع الأسلاك التعليم العمومي بالمملكة، إذ أن نسبة تنزيل هذا المخطط لا تتعدى 10 بالمائة، في الوقت الذي يُفترض فيه أن تتجاوز النسبة 60 بالمائة في هذه الفترة.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن وتيرة إدراج الأمازيغية في القطاعات الحكومية لا تزال دون مستوى تطلعات الناطقين بها، رغم تخصيص الحكومة لـ300 عون استقبال ناطقين بالأمازيغية، لمواكبة المرتفقين بالمحاكم والمستشفيات والمراكز الصحية.
ووفق المذكرة التوجيهية المتعلقة بإعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2024، فإن الحكومة تراهن على الرفع من وتيرة تنزيل خارطة الطريق المتعلقة بتكريس الطابع الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد، والتي تتضمن 25 إجراء تشمل إدماج اللغة الأمازيغية في الإدارات والخدمات العمومية، وفي التعليم والصحة والعدل والإعلام السمعي البصري، والتواصل، والثقافة.