خيانة رجل ممل

إننا نكتب لأنفسنا هروبا من ذلك الرجل الممل الذي يظل يردد نفس العبارات في آذاننا، وياللهول يالها من عبارات فضفاضة، فهو تجده كل الوقت يكلمنا عن الفضيلة وعن فضائلها وفي كل مناسبة يذكرنا بالسلف الصالح، يالها من مهزلة عندما تجد شخصا بهذه المواصفات يسكنك ويحدثك طول الوقت عن مبادئ لايريد أن يعترف بها المجتمع ويعتبرها قد صَدِئَتْ ونامت في كف عفريت. إنه لايتردد أن يطلب منك أن تكون وفيا للماضي، للمبادئ التي كانت تشكل مسارنا الطويل، ولكن أليس هذا نوع من العبث أن نظل أوفياء لنظام أخلاقي لم نصنع منه ولو حجرة واحدة ؟
إنني أرفض هذا الرجل الظالم ، هذا الظل الذي يمشي في عروقي ويكلمني في كل لحظة أريد أن أشق لي طريقا آخر في بناء نظم الأفكار أما الأخلاق التي يكلمني عنها طول الوقت فإني أرفضها وأريد أن أعلن عنها الثورة فلا أستطيع بالمرة، ولا أعرف لماذا ؟ كم أنا جبان لم أستطع أن أتخلص من هذا الإرث الطويل ولاشك أننا نشكل الأغلبية في هذا العالم الصغير.
لاأعرف لماذا هذا الرجل يسخر مني ومن فلسفتي الجديدة في الحياة، وفي كل مرة أريد أن أشق عصا الطاعة عن منهاجه الدعوي يعتبرني عاص وتائه عن الطريق، لا أعرف صراحة عن أي طريق يتحدث ؟ على حد علمي ليس هناك طريق واحد للوصول إلى الحقيقة، لكل واحد منا في هذه الحياة تجربته الشخصية ومساره الذي فهم منه أشياء كثيرة، ليس هناك تجربة أقوى من تجربة بل هناك تجربة أرقى من الأخرى، عندما يتعلم الواحد منا كيف يجعل هذه التجربة جسرا للآخرين للعبور منها وتحقيق المراد.
هذا الرجل لايعلم أن العالم تغير، وأن التحولات التي حصلت قد خلقت معها قيما جديدة، أخلاقا مغايرة، وحروبا مختلفة عن سابقاتها، لقد تغيرا الإنسان وتغيرت معه احتياجاته المادية والنفسية، لقد ظهرت علوم حديثة، أفكار جديدة حول التراب والماء والسماء، وهنا لابد عليه أن يفهم أن ماكان يحكم العالم ألاف السنين من القوانين والعادات قد تـحولت إلى مجرد أرشيف لم تعد تصلح للمتعة والتسلية والتثقيف، لقد سقطت في أعين هذا الجيل، ربما لم يفهم جيدا مغزاها ورسالتها ولكنه يرى أنها لاتناسب ذوقه وميولاته الغريبة .
أيها الرجل الساكن في كل مدني المشتعلة، تذكر أنني من عاشقي الحرية، لماذا لم تكلمني يوما عن هذه الخصلة التي هربت من بلادي وهاجرت إلى كهوف مظلمة، لقد انطفأت كل الأنوار، جُرِحَ التاريخ وتمزقت أوراق كثيرة، فقدنا كل ارتباط بذواتنا، لم نعد نملك قرارتنا، من نكون ؟ لم تجبني يوما عن هذا السؤال ؟ ولماذا لم يعد أحد يتكلم عن الكرامة ؟ أجبني بكل جرأة لماذا تكرر نفس الخطاب، نفس الكلمات ونحن دائما على نفس الحال ؟ لماذا لاتحدثني ولو مرة واحدة من كان سببا في بقائنا على هذا الحال ؟
لاأريد أن أتهمك بالخيانة، ولا أريد أن اتهمك بالمؤامرة لأننا كلنا متآمرون في صمت رهيب، هذه هي الحقيقة التي دائما نخفيها ونحاول أن نلصق عثراتنا بها للآخرين، كم أتمنى أن تكون واحد من الضحايا التي نعلق عليها سقوطنا لنخرج ولو قليلا من تلك الكهوف المملة التي ألفنها ردحا من الزمن.