جماعة “أنكا”.. تٌقاوم التهميش ومخططات الاستيلاء على صخور جبالها

 جماعة “أنكا”..  تٌقاوم التهميش ومخططات الاستيلاء على صخور جبالها

من مدينة آسفي (غربًا) إلى منطقة جبال إيغود حيث اكتشف في الموقع بقايا عظمية يزيد عمرها على مائة ألف عام معروفة للجنس البشري للإنسان العاقل (شرقًا)، تُسمى الطريق إلى جماعة “أنكا” بـ”طريق الموت”.

سكان هذه الأرض المنتسبون لضريح الوالي الشيخ محمد الزموري الماجري المنتسب للشيخ محمد صالح والذي عاشَ خلال عصر الدولة الموحدية وكانَ من كبار شيوخ التصوف في تاريخ المغرب، يعيشون كأنهم خارج الحضارة، حيث تنعدم أبسط مقومات العيش الكريم.

طريق صغيرة بين “جزولة” و”أنكا” لا يتعدى عرضها مترين لا يمكن معها أن تمر درجة نارية وسيارة في آن واحد فتضطر العربات والسيارات إلى التوقف يمينا أو يساريا إلى حين مرور المستعمل الأخر للطريق.

سُميت بطريق الموت منذ سنوات مضت، بسبب تصاعد حوادث السير، سواء على مستوى الطريق الإقليمية رقم 2317 الرابطة بين إيغود المحسوبة على إقليم اليوسفية والممتدة مرورا بجماعة خميس أنكا إلى السبت جزولة المحسوبة على إقليم آسفي.

إلى “خميس أنكا”

الرحلة إلى خميس أنكا عبر سيارات الأجرة من الصنف الكبير، هي أقرب مغامرة للموت، يجلس الركاب الراغبون في الذهاب إلى خميس أنكا متكدسون في عربات مهترئة كُتب عليها “عربة للنقل المزدوج” يصل عدد الركاب إلى 12 شخصًا، ويصيح السائق: “باقي جوج بلايص!” رغمَ حالة الاستثناء والتباعد الجسدي الذي تفرضه الطوارئ الصحية بسبب فيروس كورونا.

“كم تقلون عادة من الركاب؟” يجيب السائق عن سؤال موقع “لكم” مبتسمًا: “على حساب سوق أشنو جاب أخويا..خدامين غير بالبركة” تسير السيارة بصوت محرك يوحي بأنه متهالك، بعد أقل من 15 دقيقة يقفز الركاب بشكل مفزع: “السلامة يا ربي..شَوْر أشيفور” ثم يكمل السائق الطريق كأن شيء لم يحدث، بينما الحدث: كادت سيارة النقل تصطدم بأخرى قادمة في نفس الاتجاه لا تكفيهما الطريق للسير معًا”.

في اليوم الموالي استعان موقع “لكم” بسيارة خاصة للسير على هذه الطريق، وبدت أكثر قساوة بسبب عدم تحملها سير سيارتين، واحدة على اليمين والأخرى على اليسار، بينما جنباتها غارقة نحو الأسفل بحوالي 06 سنتميترات مما تُشكل خطر حقيقيا على مرتاديها.

من ينقذ أنكا من طريق الموت؟

رغمَ أن رئيس مجلس أنكا الحالي يُعلن مرارا ببدء أشغال تهيئة الطريق على صفحته على الفيسبوك، فإن في واقع الامر، تبقى تفاصيل المشروع في مكاتب عمالة اليوسفية، وليسَ في عمالة آسفي أو مقر مجلس أنكا.

إذ في إطار تعزيز البنية التحتية الطرقية بإقليم اليوسفية ومحيطه خصوصا إيغود حيث عثر على بقايا عظمية لـ “homo sapiens” أعطى عامل إقليم اليوسفية، أشغال توسيع وتقوية الطريق الإقليمية رقم 2317 الرابطة بين إيغود وإقليم آسفي عبر الجماعة الترابية لمراسلة على طول 33 كيلومترا، وهو المشروع الطرقي الذي ينقسم إلى شطرين.

ويتعلق الشطر الأول بتوسيع وتقوية المقطع الرابط بين إيغود (إقليم اليوسفية) وخميس نكا (إقليم آسفي) على طول 19 كيلومترا وبناء المنشآت الفنية لصرف مياه الأمطار، وذلك بكلفة 28 مليون درهم بتمويل من وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك.

بكاء أنكا

تبعد أنكا عن مدينة آسفي بحوالي 40 كيلومترًا، وتبلغ ساكنتها 22542 ألف نسمة، تتوزع على 4133 أسرة حسب احصاء المندوبية السامية للتخطيط برسم سنة 2014، تضم المنطقة ضريح الشيخ الوالي محمد الزموري الماجري، وهوَ من حفدة أول شيخ مغربي صوفي عاش خلال عصر الدولة الموحدية، وفي عام 2014، شهدت جبال الضريح انتفاضة شعبية من أهالي المنطقة والمنتسبين للنسب الشيخ بعدما حاولت شركة الملياردير القباج الاستيلاء على أراضيهم لتحويلها إلى مقلع للحجارة.

مركز جماعة أنكا يبعث على مظاهر التهميش وقلة الشيء، فيما يستمر رئيس الجماعة من جهة أخرى، الذي عرفَ بأنه أصغر رئيس جماعة بالمغرب محسن بومهدي والذي ينتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، في حلحلة الأمور مستعينًا بـ”الفيسبوك” إذ قال إنه بذل ما بوسعه لتحسين ظروف عيش السكان عبر جلبه لمجموعة من المشاريع لإصلاح الطرقات وتأهيل مركز الجماعة، مضيفًا: “حق لي أن اقول أن ولايتي كانت أحسن ولاية في التاريخ الجماعي والسياسي للجماعة”.

أمام ولاية عمرها 5 سنوات لرئيس شاب، يعيش سكان خميس أنكا كأنهم خارج الحضارة، إذ يظل السكان محرمون من كل وسائل وضروريات العيش الكريم، حيث لا إنارة ولا ماء صالح للشرب ولا انترنيت ولا فرص للشغل أما المدارس رغمَ قلتها وضعف بنياتها تظل بعيدة، فيحكي رئيس الجماعة إنه خاضَ “حروبا عسيرة مع خصومه السياسيين حتى يحظى التلاميذ بسيارات للنقل المدرسي..” وحتى المحطات الإذاعية لا تلتقط على أرضهم.

وفي آخر الأسابيع من عمر ولاية الرئيس، أعلن انطلاق أشغال تعبيد الطريق الرابطة بين أولاد علي الحرابلة وطريق جزولة أنكا على امتداد 2.5 كيلومترا، حددت مدة الأشغال لها في 04 أشهر، وتعليقًا على ذلك قال الرئيس محسن بومهدي: “اليوم اكملت المهمة ووفيت بالوعد واديت الامانة ورفعت العتبة، فهذا ختام ما قدمت رفقة مجلسي اغلبية ومعارضة”.

وفي خضم الصراع الدائر لرفع التهميش، يقول سكان الجماعة من دوار الجرادات تحديدا، إن مستشارين جماعيين في المجلس الحالي والسابق قاموا بجلب مشاريع تعبيد الطرق إلى حيث دواويرهم، فيما بقيت باقي الدواوير دون طرق حيث تعاني النساء الحوامل في الوصول للمستشفى والأطفال للمدارس.

وحصل موقع “لكم” على عرائض تضم العشرات من التوقيعات من سكان دواوير أولاد ابريش يُطالبون فيها عامل الإقليم و رئيس المجلس الجماعي بالتدخل لإصلاح الطرقات، وينشر السكان فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي يُطالبون بإصلاح الطرق التي تشتد وعورتها في فصل الشتاء حيث ينقطعون تماما عن العالم الخارجي.

الماء والآبار

لازالت أغلب الدواوير التي تُعرف بكثافة سكنية في المنطقة محرومة من مياه الشرب، وتضطر عادة للتنقل مئات الكيلومترات لجلب مياه الآبار، فيما تُباع صهاريج المياه مقابل 400 درهمًا، وهو مبلغ لا يستطيع الفلاحون الصغار والسكان تأديته بسبب الظروف الصعبة، وتعيش الساكنة على الرعي والفلاحة وبما تجود به السماء.

وأمام جدل المياه والآبار، أشهر رئيس الجماعة محسن بومهدي عام 2019، أمام عامل الإقليم الحسين شينان والمدير الإقليمي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، قنينة ماء الصنبور الذي تستعمله ساكنة جماعته بشكل يومي للشرب والنظافة، وبدت القنينة متسخة تكتسي لونا أقرب إلى الأصفر.

وقال الرئيس أمام الحاضرين في اللقاء، إنَّ “الذين يملكون الموارد المالية الكافية لإصلاح الوضعية، يوزعون الآبار حسب الولاءات الشخصية ومنذ 2015 ونحن نتحصر على بئر واحد”، متسائلا: “هل يقوم هؤلاء بهذا من أجل معاقبة الساكنة والمواطنين نظرا لأنه يوجد بينهم شخص لا يريد الخضوع لهم؟”.

ولاحقًا في العام الجاري، من 2021، قال الرئيس إن مجموعة من العراقيل انتهت، بفضل دعم عامل إقليم آسفي له.

مقاومة أهل بني ماجر ضد القباج

فصول معركة ومقاومة شرسة، دارت رحاها عندما حطت شركة (S.G.T.M,) المملوكة للملياردير محمد القباج بالميناء المعدني الجديد لآسفي، هذه الشركة، التي كانت في حاجة ماسة إلى كميات من الحجارة سنة 2013، إذ قامت بتشييد عدة مقالع، على غرار مقالعها التقليدية التي التهمت جبال “إيغود”، وكانت جبال أنكا تسيل لعابها وخاصة الجبل حيث ضريح الوالي سيدي محمد الزموري الماجري.

الوثائق الرسمية التي حصل عليها موقع “لكم” تكشفَ طريقة الاستيلاء التي اعمدتها الشركة للسيطرة على الجبل، إذ قامت الشركة، باستغلال جمعية ضريح الوالي في المنطقة باعتبارها تُسير وتُشرف عن الضريح والأراضي المجاورة له، ووقعت معها عقد كراء يمتد 10 سنوات، مقابل تشييد مقلع للحجارة فوق قطعة أرضية مساحتها 90 هكتار.

وقامَ الوالي السابق لآسفي، عبد الله بنذهيبة أنداك، بالترخيص لشركة القباج للبدء في استغلال المقلع، وأمام تصاعد الاحتجاجات، وطعن السكان في عقد الكراء، حصل موقع “لكم” على نسخة منه، واعتبار لعدم أهلية الجمعية للكراء أو تفويت الأراضي، تبينَ أن رئيس الجمعية هو نفسه يشغل مهمة النائب الخامس لرئيس المجلس، وقامَ بتصحيح امضاء جميع العقود المتعلقة بالشركة والأراضي المذكورة بصفته نائب رئيس المجلس ورئيس الجمعية في آن واحد.

وأمام كل هذا، خرج الساكنة بالمئات أنذاك للاحتجاج والمرابطة بقمة الجبل احتجاجا على تفويت أراضيهم لصالحة شركة الملياردير القباج، فيما اصر مسؤولي الشركة على الحصول على أحكام استعجالية من قضاء آسفي ضد السكان لطردهم واعتقالهم بالمئات، مستعينين بالدرك الملكي وفيالق من قوات التدخل السريع، غير أن المعارك استمرت لأسابيع، إلى حين اكتشفَ مسؤولون في وزارة التجهيز عدم قانونية استغلال المقلع، وفقًا لما أسرت به مصادر موقع “لكم”.

وأصدرت الوزارة بلاغا تقول فيه إنها تخبر الرأي العام الوطني أنها حريصة على تتبع المساطر القانونية و ذلك حفاظا على حقوق الملاكين المعنيين من جهة و ضمانا لما فيه مصلحة المشروع من جهة أخرى، ولم يسبق لها قط ان استولت على الأراضي خارج أسلوب القانون.

وامام إصرار شركات نقل الحجارة، التي تنقلها حاليا من مقالع في منطقة إيغود، شهدت منطقة خميس انكا عام 2014، حادث دهس تلميذ لقي مصرعه أثناء مغادرته مؤسسة تعليمية بمركز خميس نكا بإقليم آسفي، بعدما دهسته شاحنة من الحجم الكبير محملة بأطنان من الصخور كانت تسير بسرعة مفرطة.

وطالب حزب العدالة والتنمية في أنكا، الجهات المسؤولة بحماية التلاميذ من أخطار الطريق وتشديد المراقبة الأمنية بفعل الحركية المكثفة لعبور المئات من السيارات والشاحنات يوميا، داعيا الجهات المسؤولة إلى تهيئة الطريق وتوسيعه، وانجاز مخفضات السرعة بالقرب من التجمعات البشرية كالأسواق والمؤسسات التعليمية، وتفعيل قانون السير والجولان بجماعة أنكا، ومحاسبة وزجر السائقين الذين لا يتقيدون بالقانون.

هيئة التحرير

أخبار ذات صلة

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة الجهة24 لتصلك آخر الأخبار يوميا