التلاعب في صفقات الصحة.. استئنافية البيضاء تستمع لمسؤولة كشفت معطيات مثيرة في جلسة محاكمة 30 متهما
استمعت غرفة الجنايات الابتدائية في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، زوال اليوم الثلاثاء، إلى متهمين فيما يُعرف بملف “التلاعب بصفقات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية”، الذي يتابع فيه حوالي 30 متهمًا من أرباب شركات وأطر بوزارة الصحة ومهندسين تابعين للوزارة وموزعين.
كشفت المتهمة، التي استمعت إليها المحكمة بصفتها مسؤولة سابقة في مصلحة الموارد المالية واللوجيستية بالمديرية الجهوية للصحة بالشمال، عن معلومات تتعلق “باتهامها بتلقي مبالغ مالية كبيرة كرشوة لتسهيل نيل الصفقات”، وطرحت عليها أسئلة تتعلق بصفقة توريد تجهيزات لمستشفى كان مشروعًا ملكيًّا بإمزورن.
وجه رئيس هيئة الحكم، القاضي علي الطرشي، أسئلة متعددة للمتهمة، منها أنها كانت المسؤولة عن تعيين اللجنة الفرعية المعنية بفتح أظرفة صفقات وزارة الصحة بالشمال، فأجابت بأنها لم تكن معنية بتعيين أعضاء اللجنة، بل كان ذلك من اختصاص صاحب المشروع.
وعاد القاضي ليسألها من هو صاحب المشروع في هذه الحالة؟ لتجيب: “الوزارة أو المديرية الجهوية”، ليتابع القاضي قوله: إذا كان رئيس اللجنة الأساسية بالمديرية الجهوية هو من يعين أعضاء اللجنة الفرعية لفتح أظرفة الصفقات، فأنت إذن من يعينهم؟
فأجابت أنها كرئيسة اللجنة الأساسية بالمديرية المعنية بالموضوع، تشكل الأعضاء ولا تعينهم، فسألها القاضي مرة أخرى هل أعضاء اللجنة يتغيرون، فردت: “نعم يتغيرون، فسألها القاضي مرة أخرى، “وهل في كل مرة يعينهم الوزير؟”
وردت المتهمة أن “اللجنة التي تترأسها تشكل أعضاء اللجنة الفرعية خلال 24 ساعة قبل فتح أظرفة الصفقات، ونحن لا نعين هؤلاء الأعضاء بل تعينهم الوزارة لهذا الغرض بالقانون”، ليتدخل القاضي مرة أخرى ويقول: “إسناد المهمة لأعضاء اللجنة الفرعية تتم من طرف اللجنة الأساسية”، ولم ترد ليواصل أسئلته في القضية.
ووجه رئيس هيئة الحكم أسئلة للمتهمة بخصوص توريد أجهزة لمستشفى بإمزورن، حيث أجابت: “التوريدات لهذا المستشفى اختلفت بين توريدات ثقيلة لم تكن لتسرق وتوريدات خفيفة تم تغليفها والتحقق من مطابقتها لدفتر الشروط الخاصة”.
ليقاطعها رئيس الجلسة بقوله: “تم اقتناء لوازم تثبيت للمستشفى المذكور يصل مبلغها إلى مليون و596 ألف درهم، هل أنجزتم محضر تسليم هذه التوريدات؟”
فكان جواب المتهمة، “أن مجموع بنايات المستشفيات الجديدة تعرف مشكلا، وهو أنها تجهز ولا يتم تشغيلها لخدمة المواطنين، نظرا لقلة الموارد البشرية، وهذا ما وقع بمستشفى إمزورن وهذا ما يؤكده محضر محضر التسلم 1 و 2 عندما التحق موظفون بالمستشفى المعني تم تكوينهم” بحسب قولها.
وتابعت: “أنا بصفتي مشرفة على مصلحة الموارد المالية واللوجستية، فإن هذه المصلحة التي تتوخى تحسين مؤشرات الالتزام ومؤشرات الأداء خاصة وأنه في سنة 2017 كانت سنة تفعيل القانون المهيكل للمالية، وينص هذا القانون على أن اعتمادات الأداء لا يمكن أن ترحل إلا في حدود 30 في المائة و70 في المائة يجب أن تستهلك”.
فسألها القاضي: “متى يتوقع الأداء على صفقة معينة؟ فردت: “حينما تكتمل الشروط”، فتابع القاضي: “وأهم الشروط هو التسلم، وسألها: لكن لا يوجد محضر يفيد تسلم وتركيب الأجهزة بمستشفى إمزورن؟”
فردت المتهمة: “المحضر تم بأولئك الذين يشهدون فيه، وأن التوريدات قد تم تسلمها طبقًا لبنود دفتر الشروط الخاصة”، فتدخل ممثل النيابة العامة وسألها: “عندما ينتهي الملف في جميع مراحله ويحال عليك للتأشير عليه كم المدة التي تحتفظين به؟ فردت: “الملف يوقعه الآمر بالصرف المساعد وأوقعه أنا بالنيابة، وأنه يستغرق لديها أسبوعًا أو أسبوعين بحسب الظرفية”.
وبالعودة إلى موضوع الرشوة، سألها دفاعها: “هل تسلمت المتهمة مبالغ مالية من أي شخص آخر بمناسبة إحدى الصفقات؟ فقالت “لا، لم أتسلم أي مبلغ”.
وأضاف الدفاع في أسئلته: “لو لم تكن هناك ظروف استثنائية لموكلته هل كانت ستقبل بأن تشارك في لجان فتح أظرفة الصفقات وتُمضي على وثائق، ولو لم تكن هناك أوامر شخصية من الوزير، هل كانت ستشارك لو كانت الظروف عادية؟ فردت المتهمة: “أجبرني المدير على المسؤولية ويجبرني الوزير نفسه ومديرية التجهيز. وسألها القاضي: أين يتجلى الإجبار؟”
ردت المتهمة أن إجبارها يتجسد في الإسراع لنشر طلبات عروض الصفقات، فرد القاضي: “أن هذه ضرورة وليست إجبارا لبناء مؤسسة صحية أو تجهيزها”، ثم سألها، “ومن يجبرك على توقيع وثائق وغيرها؟” فردت المتهمة: “الوثائق التي أوقعها أوقعها بصفة قانونية”.
تدخل دفاعها وسألها: “هل سبق وتعرضت لإنذار وتوبيخ؟” فكان ردها: “لم أتلق يوما أي إنذار أو توبيخ من وزارة الصحة.
إلى ذلك، اشتكت المتهمة أمام الرئيس “تعرضها لما وصفته ودفاعها بالتمييز العنصري أثناء الاستماع إليها من طرف ضابط من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في مقرها بالدار البيضاء”، وأضافت “أنه عاملها معاملة قاسية بسبب انتمائها ولكنتها الريفية” وفق تعبيرها. وركز دفاعها ‘على هذه النقطة وطلب من الهيئة أن تسجلها لدى محاضر كتابة الضبط’.
ورفعت الهيئة الجلسة إلى تاريخ 22 فبراير 2024 لاستكمال الاستماع إلى المتهمين المتابعين من أجل “الاشتباه في ارتكابهم لجرائم تتعلق بتكوين عصابة إجرامية، والارشاء، والارتشاء، وتبديد أموال عمومية، وتزوير محررات رسمية، وتزوير وثائق تصدرها الإدارة العامة واستعمالها، واتلاف وثيقة عامة من شأنها أن تسهل البحث عن الجنايات والجنح وكشف أدلتها وعقاب مرتكبيها، والتحريض على ارتكاب جنح، وإفشاء أسرار مهنية”.