افتتاحية – رقصة الديك المذبوح على ركح الثقافة واستغلال الجمعيات للانتخابات

الجهة 24 -هيئة التحرير
لم يعد خافيا على أحد في مدينة آسفي أن بعض الأوساط السياسية المنبوذة والمفترى عليها “باشتراكية مزورة” تُصرّ على تحويل العمل الجمعوي والثقافي إلى واجهة انتخابية مفضوحة، تريد تكرار رقصات على نغم الاستفادة من الريع والإبقاء على المكانة كما فعلت في فترات سابقة خلال عهد المجلس السابق لعبد الرحيم دندون،وتلك قصة أخرى يعرفها الجميع.
بات اليوم كل مثقفو هذه المدينة وفاعلوها الحقيقيون، يتوجسون من أفعال أحد الوجوه التي ما أن وضعت قدمها في مكان، إلا وحلّ الخراب وبدأ الصداع. هذا الشخص الذي تحوّل إلى مصدر جدل وتوتّر في كل فضاء يدخله، وصل الأمر إلى حدّ توصلنا في هذه الجريدة بشهادات وشكاوى تعبّر عن الامتعاض والشمئزاز من تصرفاته وسلوكياته، بل والأخطر من ذلك، أن هذه الشكاوى وردت من مقربين منه في قلب المشهد الجمعوي والثقافي نفسه، ما يعكس حجم الرفض المتنامي لهذا النهج الانتهازي والمشبوه.
آخر مظاهر هذا الانزلاق المفضوح والارتماء الصبياني للقفز للمشهد عنوة وحتى ولو كان ذلك على تابوث الموتى، تمثل في تنظيم نشاط ثقافي تم الترويج له على أنه لقاء لتقديم وتوقيع كتاب “سيرة ناجٍ من القرن العشرين” للكاتب المعتقل السابق صلاح الوديع، غير أن ما يجري خلف الكواليس، يكشف أن هذا النشاط لم يكن بريئًا ولا عفويًا كما يُسوّق له، بل تحوّل إلى محطة جديدة ضمن مسلسل استغلال العمل الجمعوي لأهداف انتخابية مغلفة بغطاء ثقافي شاحب.
والسؤال الجوهري الذي يطرح بذهشة وسط نفس الإطار الجمعوي الذي ينتمي إليه هذا “الديك المذبوح”: هل تمت استشارة شخصيات معروفة داخل الجمعية فعلًا بشأن تنظيم هذا النشاط؟ أم أن الأمر تمّ بقرار فردي يخدم أجندات انتخابية ضيقة وقذرة؟
الأدهى من ذلك، أن هذا التوجّه لم يتوقّف عند استغلال الثقافة لتلميع صور بعض الأسماء الباحثة عن موطئ قدم في المشهد السياسي، بل امتدّ ليطال حتى مناسبات إنسانية ذات رمزية خاصة، مثل فكرة تأبين أحد رموز المشهد الجمعوي والثقافي والحقوقي والقانوني، والتي أُقحمت عنوة في هذا المخطط المغلّف بالبهرجة السياسية، ضاربة عرض الحائط بما تقتضيه هذه اللحظات من وقار واحترام وتجرد من الحسابات الانتخابية.
ولعلّ المتتبع للشأن المحلي يذكر جيّدًا أن هذا الشخص لم يكتفِ بإقحام نفسه في ساحة العمل الثقافي والجمعوي، بل سبق له أن تسبب في فضيحة مدوية في قطاع التعليم، بعدما لعب دورًا مباشرًا في الإطاحة بصديقه المقرّب، المدير الإقليمي السابق، وهو ما يفضح بشكل جليّ نمط التلاعبات التي يمارسها خلف الستار لخدمة مصالحه الضيقة ولو على حساب الأصدقاء أو المؤسسات.
إنّ تسييس الذاكرة الجماعية لمدينة آسفي، وتحويل المحطات الثقافية والإنسانية إلى أدوات دعاية انتخابية رخيصة، ليس فقط انحرافًا عن مسار العمل الجمعوي الحقيقي، بل هو استهتار صارخ بقيم المدينة وساكنتها، وابتذال لماضيها الحافل بالمناضلين والمثقفين الذين دفعوا أثمانًا باهظة من أجل أن يظلّ العمل الجمعوي والثقافي بعيدًا عن أي ابتزاز سياسي أو استغلال انتهازي.
وعليه، فإنّ واجب الوقت يفرض على الشخصيات الجمعوية الوازنة والهيئات السياسية الجادة، أن ترفع صوتها عاليًا لوقف هذا العبث، وإعادة الاعتبار للعمل الجمعوي النبيل، بعيدًا عن منطق التوظيف السياسي البئيس الذي يحوّل المبادرات الثقافية إلى حملات انتخابية سابقة لأوانها، ويشوّه صورة مدينة عُرفت على مرّ عقود بثرائها الثقافي ونضالها السياسي المسؤول.