افتتاحية | حقائب حطاب!

 افتتاحية | حقائب حطاب!

تحوَّلت المديرية الإقليمية للتعليم في آسفي من ساحة لخدمة التعليم والأطر التربوية إلى رواق يعجُّ بأصوات الصفقات وأحاديث الربح السريع. مديرية التعليم هذه كان يُفترض أن تُسخّر إمكانياتها للنهوض بقطاع التعليم، باتت مشغولة بتقديم “البسطيلة واللحم بالبرقوق” على موائد الإسراف، فيما تُترك المدارس بلا أدواتٍ ولا أسقف ولا مراحيض، والأطر التربوية بلا دعمٍ، والتلاميذ بلا مستقبل.

كيف لمديرٍ إقليمي هبط على هذا المنصب بـ”ببرشيت”، أُوكلت له مسؤولية رعاية الحقل التربوي، أن يُهمل أساس عمله وينصرف للانشغال بعقود شركات المناولة ودفاتر تحملات مصممة وفق الأهواء؟ بل كيف تُبرر صفقة بـ180 مليون سنتيم من المال العام، تُنفق على مآدب لا طائل منها، بينما تُترك المدارس في فقرٍ مدقع، والبيئة التعليمية تغرق في التسيّب؟

إن العجز عن توجيه الجهود نحو تحسين جودة التعليم المحلي والإقليمي، هو ما أعطى نتيجة تبديد أموال الدولة وأموال الشركاء، فيما يخص برنامج “تحدي الألفية” بإقليم آسفي، وهذا يعكس خللًا عميقًا في فهم طبيعة المسؤولية الملقاة على السيد الحطاب الذي ينهج منذ توليه هذه المسؤولية سياسة “النعامة”.ومن جهة أخرى مدارس الإقليم تئنّ تحت وطأة العنف الذي يتعرض له المدرسون، بينما تصرخ النقابات مطالبة بالحماية والإنصاف. لكن صوت الأطر التعليمية، الملتزمة بتنوير عقول الأجيال القادمة، يضيع في أروقة الإدارة المشغولة بمقابلة أصحاب العروض والشركات و”عرضات” جمعيات المقربين.

ملف الترقية المهنية، الذي يمثل بصيص أملٍ للأطر التعليمية الطامحة للاعتراف بكفاءتها، بات طيّ النسيان. آلاف المدرسين ينتظرون بلا جدوى إيفاد المفتشين لتقييمهم، في تجاهل صارخ ينزع عن العملية التربوية إنسانيتها ويكرس شعورًا مريرًا بالخذلان.

ما كشفت عنه النقابات التعليمية حول شركة “ENVIRO GARDIENNAGE” يثير تساؤلات جوهرية عن غياب الرقابة وشفافية التعاقد. إذا كانت الشركات تُفلت من الالتزام ببنود العقود، فمن المسؤول عن هذا الإخلال؟ وكيف يمكن تبرير تقاعس المدير الإقليمي عن أداء واجبه تجاه ضمان جودة الخدمات؟

في خضم هذا العبث، يبدو أن ما يُهدَر ليس المال العام فقط، بل أيضًا الثقة التي أولاها المجتمع لهذه المؤسسة لإدارة قطاع التعليم.

التعليم ليس مجرد أرقامٍ في دفاتر ميزانيات أو صفقاتٍ عابرة، بل هو استثمار في الإنسان، في بناء أجيال تحمل مشاعل التغيير والبناء. لكن كيف لهذا أن يتحقق في ظل إدارة ترى في منصبها فرصةً للامتيازات لا خدمة للصالح العام؟ عندما يتحول التعليم إلى هامش، وتصبح الصفقات هي المتن، فإن ما يُهدَر ليس فقط الحاضر، بل المستقبل أيضًا.

التاريخ لا يرحم من يُهمل أمانته. التعليم، كما الوطن، يحتاج إلى أيدٍ أمينة تدرك قيمة الرسالة التي تحملها. إن ما يجري في هذه المديرية ليس مجرد خلل إداري، بل هو جرح في ضمير الأمة. ولا إصلاح يُرجى دون محاسبة صارمة تعيد الأمور إلى نصابها. التعليم هو الركيزة، وأي خلل فيه يعني سقوط الأعمدة التي يستند إليها الوطن.

هيئة التحرير

أخبار ذات صلة

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة الجهة24 لتصلك آخر الأخبار يوميا