جهة24

كانت ست سنوات كافية بالتمام لكشف المستور على أنقاض مدينة باتت كلها خراب، ست سنوات هي زمن من عمر آسفي الضائع تولى فيه عامل إقليم آسفي الحسين شيانان مسؤولية تدبير المدينة، في عهده توقفت بها كل الأوراش المفتوحة والملكية منها، فيما تزعمت عمالة آسفي مشاريع اجهضت في رمشة عين وأخرى رأت فضائح أسالت الكثير من الحبر في الصحف الوطنية وفتحت لأجلها تحقيقات قضائية لم تُغلق لحدود كتابة هذه السطور.

في هذه الجريدة لا نكن ضغينة لأيَّ أحد، كان برلماني أو عامل أو والي أو أيَّ مسؤول، الرابط الوحيد الذي يجمعنا جميعًا هو القيام بأدوارنا من كل موقع، بينما يبقى دورنا هو النقذ والرقابة وتنوير الرأي العام والحق في إيصال المعلومة بعيدا عن خدش الحياء والتشهير ونهش الأعراض وفي احترام تام لكافة الأجناس المهنية وأخلاقيات المهنة، في إقليم أصبحت فيه مهنة الصحافة بضاعة رخيصة، سواء كان ذلك بفعل فاعل أو عن جهل.

المسؤول الترابي الذي يتقاضى أجره من أموال خزينة الدولة ويلجأ للصحافة لتلميع صورته، هو مسؤول يخفي وراءه أشياء تتثير الريبة، يُريد بصيغة ما اخفاءها للرأي العام وتعويضها بـ” عروض التطبيل” أو قد يكون الدافع وراء ذلك غرضه “امتيازات” أو “تضارب المصالح” لإبقاء الفساد في موضعه، لذلك أصبحنَا نرى للعمالة “حراس” يُدافعون عنها كلمَا شعروا بأن والي نعمتهم قد يطير بعيدًا، وهم بدرجة أولى أشخاصا لا يفرقون بين «الخبيزة والشمندر والغبرة» والتنمية والديمقراطية والاستثمار.

يتقاضى عامل إقليم آسفي على سبيل المثال، أجر شهري يصل إلى 11 مليون سنتيم، يشمل الامتيازات والتعويضات إضافة للسكن والسيارة والخدم وتعويض صرف منحة عند بداية عمله لشراء أثاث المنزل يصل إلى 100 مليون سنتيم، وأجره ذلك، يبقى إلى مدى الحياة، وتنقسم هذه التعويضات إلى مجموعتين: الأولى تهم ثلاثة تعويضات (التعويض عن الأعباء، التعويض التكميلي، والتعويض الخاص) والثانية تسمى التعويض عن التمثيل.

أمام كل هذا، يمثل العامل  دورا رقابيا في تتبع المشاريع والبرامج والأوراش، وأنَّ أيَّ 

نقذ لعمله او جرد لحصيلته لا يمكن إلا أن يكونا استكمالا لدوره المنوط به لخدمة الصالح العام، فحينما يظهر تحيز المسؤول الممثل للسلطة الملك في الإقليم إلى جانب رجال المال أو تكوين مربع صغير من “اللوبيات” فالأمر يحتاج إلى “صحافة قوية” و”مثقفون” للدفاع عن المال العام وحماية الدستور وحقوق المواطنين، فالأكثر حقدا وكرها لهذا الوطن ليسوا من ينتقذون بل أولئك الذين يتواطؤون مع الفاسدين ويُلمعون صور رجال السلطة الذين لا يقومون بواجبهم.

إنَّ مفهوم الدفاع عن “المدينة” بعمقها الفلسلفي والتاريخي والسياسي والإجتماعي، ليسَ حصرا ضد عامل آسفي الحالي، إننا نعتبر ذلك مجموع من التراكمات انفجرت بوادره مع حراك 20 فبراير عام 2011، إذ كانت آسفي من ضمن أبرز المدن غضبًا واحتجاجًا بسبب سوء الإدارة والتهميش واستاع رقعة البطالة وخط الفقر، عرفت انداك وقفة احتجاجية كل يوم على مدار أزيد من 3 شهور، وبهتت بوادر الحراك بعد رحيل الوالي بنذهيبة وتنقيلات واعفاءات في صفوف رجال السلطة بآسفي، كانَ على رأسهم رئيس الدائرة الثانية، سالم بلقرشي المعروف بمهندس “العمالة”، ثم قتلت المدينة إكلينكيا في عهد إبنها الوالي البجيوي، الذي انتهى به المطاف في عاصفة الولاة المغضوبة عليهم.

إننا نعتقد أن ضياع ست سنوات الماضية من عمر آسفي، بعد تعثرها تنمويا، هوَ ضياع حقيقي للوقت والفرص، والوقت لا يُعوض، والفرص لا تأتي دائمًا.

إنَّ الدفاع عن أصل المدينة ينبع من نموذج كوني في الانتقال الحضاري وخاصة في الإنتاج المعرفي، وهذا ما يعطيها الخصوصية الثقافية والابداعية وغيرها في سلم القيم. إن المدينة ليست واقعاً عينياً فحسب، بل مخيال يروم الفيلسوف إلى تصور مدن أخرى “افلاطون – الفارابي” ضداً على الأزمة والثلج الذي يتعرض له، ثم إلى الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية.

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة الجهة24 لتصلك آخر الأخبار يوميا