الجهة 24- آسفي

عرفت مدينة آسفي، صباح السبت، انقطاعاً طويلاً لمياه الشرب دام لساعات، وذلك في وقت تسجل فيه المدينة تساقطات مطرية مهمة. الانقطاع، الذي جاء دون إشعار مسبق من الشركة الجهوية المتعددة الخدمات، خلف تذمراً واسعاً في صفوف الساكنة التي وجدت نفسها محرومة من ماء الشرب في ظروف وصفت بغير المبررة.

وقالت الشركة الجهوية، في توضيحات مقتضبة، إن الانقطاع نجم عن “عطب تقني” في أحد أنابيب الضخّ والتصريف، مؤكدة أن فرقها الميدانية تدخلت لإصلاح الخلل. غير أن مصادر مهنية استبعدت أن يكون الأمر مجرد حادث منعزل، معتبرة أن تكرار الانقطاعات خلال الأشهر الأخيرة يشير إلى “اختلالات بنيوية في تدبير قطاع الماء” بالإقليم.

ورغم دخول محطة تحلية مياه البحر التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط حيز التشغيل، وهي من بين أكبر المنشآت الإفريقية في هذا المجال، فإن مدينة آسفي مازالت تسجل اضطرابات متكررة في التزويد بالماء، وهو ما فسره فاعلون محليون بكون المشكلة “لا تتعلق بمصدر المياه، وإنما بضعف البنية التخزينية وتأخر إنجاز المشاريع المرتبطة بها”.

وتفيد معطيات حصلت عليها الجريدة بأن القدرة التخزينية للشركة الجهوية لا تتجاوز 33.700 متر مكعب، في حين يفوق الاستهلاك اليومي للمدينة 40.000 متر مكعب، ما يعني أن هامش الأمان المائي لا يتعدى 84 في المائة خلال 24 ساعة. ويؤكد خبراء في تدبير الموارد المائية أن هذه النسبة “ضعيفة جداً” مقارنة بما ينبغي أن يتوفر عليه مركز حضري بحجم آسفي.

تأخر في إنشاء الخزانات: خلل هيكلي

ومن أبرز مظاهر هذا الخلل، حسب المعطيات المتوفرة، تأخر الشركة منذ أكثر من سنتين في تشييد خزان جديد بمحطة عزيب الدرعي، رغم أن أشغاله كانت يفترض أن تنتهي في ظرف وجيز، بالنظر لأهميته القصوى في تعزيز القدرة التخزينية.

الخزانات الحالية، المتفرقة على عدة أحياء، تُعد صغيرة ولا توفر هامش أمان مائي في حالات الأعطاب أو الاضطرابات التقنية. والهدف من الخزانات الكبرى واضح: ضمان ساعات إضافية من التزويد في حالات الطوارئ، بدل توقف شبه كامل بمجرد تسجيل أي خلل بسيط.

أرقام صادمة: هامش أمان لا يتجاوز 84%

تفيد معطيات تقنية حصل عليه موقع “الجهة 24” بأن القدرة التخزينية الحالية للشركة الجهوية لا تتجاوز 33.700 متر مكعب، في حين يتجاوز استهلاك المدينة 40.000 متر مكعب يومياً. أي أن هامش التأمين لا يتعدى 84%، ما يعني أن آسفي غير قادرة على الصمود أكثر من ساعات قليلة في حال حدوث أي طارئ.

ومع انتهاء أشغال خزان عزيب الدرعي 2، بسعة 15 ألف متر مكعب، يفترض أن تصل نسبة التخزين إلى 121%، أي حوالي 30 ساعة من الأمان المائي. لكن هذا يبقى رهيناً بإنهاء الأشغال فعلياً، وهو ما لا يبدو قريباً.

سد عبد الرحمن.. الاحتياطي المنسي

يرتبط أمن المياه في آسفي بشكل أساسي بسد عبد الرحمن الذي تبلغ سعته التخزينية 2 مليون متر مكعب، وهو ما يكفي لتزويد المدينة لمدة تصل إلى 60 يوماً. ومع ذلك، لا يتم استغلال هذا السد بالشكل الأمثل، ولا يُنظر إليه كمخزون استراتيجي دائم للمدينة

ويرى مهندسون مائيون أن الربط بين محطة التحلية وسد عبد الرحمن “خيار وارد تقنياً”، خصوصاً أن الطاقة الإنتاجية للمحطة تفوق الحاجيات الحالية للمدينة. وتشير هذه المصادر إلى أن ضخ جزء من مياه التحلية في السد يمكن أن يشكل “تحولاً نوعياً” في تدبير احتياطي المدينة، خصوصاً في ظل تراجع الواردات المائية الطبيعية بسبب الجفاف وتغير المناخ.

وحسب اللجنة الجهوية للماء، بلغت واردات السدود خلال موسم 2024-2025 حوالي 313.4 مليون متر مكعب، بزيادة 9.5 في المائة مقارنة بالموسم الماضي، لكنها تبقى أقل من المعدل الطبيعي بنحو 62 في المائة، وهو ما يجعل فكرة الاعتماد على التحلية مصدراً رئيسياً للتخزين “مقاربة ذات جدوى”، وفق تعبير الخبراء.

ويؤكد متخصصون أن التحديات الحالية التي تعرفها المدينة “تعكس غياب مقاربة استباقية” تجمع بين تقوية الخزانات، وتحديث شبكة التوزيع، وتقليص الفاقد المائي، وربط الإنتاج بالتخزين الاستراتيجي. ويشدد هؤلاء على ضرورة اعتماد مخطط جهوي للماء يأخذ بعين الاعتبار التحولات المناخية، وطاقة محطة التحلية، ووضعية السدود، وتوقعات النمو الديمغرافي والصناعي للمدينة.

ويعتقد متابعون أن معالجة الأزمة لن تتحقق بـ“حلول قطاعية معزولة”، وإنما بتنسيق مؤسساتي بين الشركة الجهوية، المكتب الشريف للفوسفاط، وكالة الحوض المائي، والسلطات الترابية، في اتجاه بناء منظومة مائية قادرة على مواجهة الطوارئ، وليس فقط الاستجابة لها بعد وقوعها.

وتشير المعطيات التي حصلت عليها الجريدة إلى أن مشاريع التخزين، بما فيها خزان عزيب الدرعي، ستظل عاملاً حاسماً في ضمان استقرار التزويد بالماء، خصوصاً في فترات الأعطاب التقنية. بينما سيبقى سد عبد الرحمن، في حال اعتماد خيار الدمج بينه وبين التحلية، “مخزوناً استراتيجياً” يمكن أن يحول المدينة من وضع التأثر بالأزمات إلى وضع التحكم فيها.

وبين الأعطاب التقنية المتكررة، والتأخر في تنفيذ المشاريع، وتراجع الموارد السطحية، يظهر أن مدينة آسفي تقف اليوم أمام منعطف حاسم في مسألة أمنها المائي، في انتظار بلورة رؤية واضحة تُخرج القطاع من ظرفية الارتباك إلى فضاء الاستقرار والتخطيط الاستباقي.