مرة أخرى، اهتزت الأرض تحت أقدامنا، أو بالأحرى تحت أسرّتنا، في سكون الليل العميق. جدران البيوت تمايلت، والأسقف تهادت، وكأنها تهمس بتحذير خفيّ من قوة الطبيعة التي لا تُرحم. في تلك اللحظات، عادت إلى الأذهان ذكريات مأساة قريبة، زلزال الأطلس الكبير، الذي ما زال ضحاياه يعانون ويلات الخسائر المادية، ويعيشون في العراء، يحملون جراحًا لم تندمل بعد. لقد كان زلزال الليلة الماضية تذكيرًا قاسيًا بأننا، غير جاهزون للتعامل مع الكوارث الطبيعية، حكومة وشعبًا، لا حلول لدينا حتى الأن، ولم ستفيد من الدرس الماضي، فليس لدينا، إلا أن نخرج إلى الشوارع!

لكنّ لطف الله كان حاضرًا هذه المرة، فلم تخلّف الهزة التي شعر بها سكان الثلث الشمالي من المغرب خسائر بشرية. كان الخوف هو السيد الأعلى في تلك اللحظات، خوفٌ من المجهول، خوفٌ من انهيار قد يأتي دون سابق إنذار. ومنّا من أيقظ أطفاله من نومهم الهادئ، وحملهم بين ذراعيه، وخرج بهم إلى الشوارع الباردة، يحملون قطعًا من الثياب تقيهم برد الليل، وقلوبًا تحمل رعبًا لا يُوصف. لم يكن بالإمكان انتظار سلوك مختلف، فجراح زلزال الأطلس الكبير ما زالت تنزف في ذاكرتنا الجماعية.

لكن، هل يكفي أن نخرج إلى الشوارع كلما اهتزت الأرض؟ هل يكفي أن نحمل أطفالنا ونفرّ من بيوتنا، ثم نعود إليها بعد أن تهدأ الهزات، وكأن شيئًا لم يكن؟ الأسئلة نفسها تعود إلى الأذهان كلما خيّمت علينا بوادر الكوارث الطبيعية: هل نحن مستعدّون لمواجهة مثل هذه الأحداث؟ هل لدينا خططٌ واضحة ولدى حكومتنا “الاجتماعية؟”، وإجراءاتٌ فعّالة، لتقليل الخسائر وإنقاذ الأرواح؟ أم أننا ما زلنا نعتمد على “لطف الله” وحده؟

في لحظات الخطر، تظهر حقيقة المجتمعات. تظهر قوتها وضعفها، استعداداتها وإهمالها. نحن نعيش في منطقة معرّضة للزلازل مع تجربة فظيعة لدولتنا في التعامل مع الوضع، وهذا أمر لا مفرّ منه. لكنّ السؤال الأهم هو: كيف نتعامل مع هذه الحقيقة؟ هل نستمر في بناء بيوتنا ومدارسنا ومستشفياتنا دون مراعاة لمعايير السلامة الزلزالية؟ هل نكتفي بالخروج إلى الشوارع كلما اهتزت الأرض، ثم نعود إلى حياتنا العادية، دون أن نتعلم من الدرس؟

الزلزال ليس مجرد هزة أرضية، إنه اختبارٌ لضميرنا الجماعي، لمسؤوليتنا تجاه أنفسنا وتجاه الأجيال القادمة. إنه تذكيرٌ بأننا جزء من هذا الكون الواسع، وأننا، رغم كل ما وصلنا إليه من تقدّم، ما زلنا ضعفاء أمام قوة الطبيعة. لكنّ الضعف ليس عيبًا، العيب هو أن نبقى ضعفاء دون أن نحاول أن نكون أقوى، دون أن نتعلم من أخطائنا، ودون أن نستعدّ للمستقبل.

لقد كان زلزال الليلة الماضية تحذيرًا جديدًا، فلنأخذه على محمل الجد. فلنعمل معًا، حكومةً وشعبًا، على بناء مجتمع أكثر استعدادًا لمواجهة الكوارث. مجتمعٍ يعرف كيف يحمي أطفاله، كيف يحافظ على بيوته، وكيف يخرج من الأزمات أقوى مما كان. لأنّ الأرض قد تهتزّ مرة أخرى، ولكنّ الروح، إن كانت قوية، لن تنكسر.